التعرّض لأقوال النبي صلّى الله عليه وسلم ، وإيجاب اتّباعه ، والاقتداء به ، ولذلك (١) قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم في مرضه (٢) : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. فقالت عائشة لحفصة : قولي له : إنّ أبا بكر رجل أسيف (٣) ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء ، فمر عليا (٤) فليصلّ بالناس. فقال النبي صلّى الله عليه وسلم. إنكنّ لأنتنّ صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.
يعنى بقوله : صواحب يوسف الفتنة بالردّ عن الجائز إلى غير الجائز. وقد بيناه في شرح الحديث بيانا شافيا.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٥) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في سبب (٦) نزولها :
ثبت في الصحيح عن ابن عمر قال : كاد الخيّران أن يهلكا : أبو بكر وعمر (٧) ، رفعا أصواتهما عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب (٨) بنى تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخى بنى مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر ، قال نافع عنه : لا أحفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي. قال : ما أردت ذلك ، فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ...) الآية. قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم [بعد هذه الآية] (٩) حتى يستفهمه.
المسألة الثانية ـ حرمة النبي صلّى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا ، وكلامه المأثور بعد
__________________
(١) في ا ، والقرطبي : وكذلك.
(٢) مسلم ٣١٤.
(٣) أسيف : حزين ، وقيل سريع الحزن والبكاء.
(٤) هكذا في ا ، وفي ش : ومسلم والقرطبي : عمر.
(٥) آية ٢.
(٦) أسباب النزول للواحدي : ٢١٨ ، وللسيوطي : ١٥٦.
(٧) في ش : عن ابن الزبير.
(٨) في ش : رهط.
(٩) ليس في ش.