المسألة الثانية ـ قال القاضي : هذه الأقوال كلها صحيحة تدخل تحت العموم ، فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية (١) منها ، ولعلها نزلت دون سبب.
المسألة الثالثة ـ إذا قلنا : إنها نزلت في تقديم [النحر على الصلاة وذبح الإمام سيأتى ذلك في سورة الكوثر إن شاء الله تعالى.
المسألة الرابعة ـ إذا قلنا إنها نزلت في تقديم] (٢) الطاعات على أوقاتها فهو صحيح ، لأنّ كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه ، كالصلاة والصوم والحج ، وذلك بيّن ، إلا أنّ العلماء اختلفوا في الزكاة لمّا كانت عبادة مالية ، وكانت مطلوبة لمعنى مفهوم ، وهو سدّ خلّة (٣) الفقير ، ولأن النبىّ صلّى الله عليه وسلم استعجل من العباس صدقة عامين ، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقها يوم الوجوب ، وهو يوم الفطر ، فاقتضى ذلك كلّه جواز تقديمها.
وقال أبو حنيفة والشافعي : يجوز تقديمها لعام ولاثنين.
فإن جاء رأس العام والنّصاب بحاله وقعت موقعها ، وإن جاء رأس الحول وقد تغيّر النصاب تبيّن أنها صدقة تطوع.
وقال أشهب : لا يجوز تقديمها على الحول لحظة ، كالصلاة ، وكأنه طرد الأصل في العبادات ، فرأى أنها إحدى دعائم الإسلام ، فوفّاها حقّها في النظام وحسن الترتيب.
ورأى سائر علمائنا أنّ التقديم اليسير فيها جائز ، لأنه معفوّ عنه في الشرع ، بخلاف الكثير.
وما قاله أشهب أصحّ ، فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح ، ولكنه لمعان تختصّ باليسير دون الكثير ، فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر ، والشهر كالسنة ، فإما تقديم كلّى كما قال أبو حنيفة والشافعى ، وإما حفظ العبادة وقصرها على ميقاتها كما قال أشهب وغيره ، وذلك يقوى في النظر. والله أعلم.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أصل في ترك
__________________
(١) في ش : السبب المميز للآية.
(٢) ساقط من ش.
(٣) الخلة ـ بالفتح : الحاجة.