الآية الثالثة ـ قوله (١) : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قد من الله علينا بالأنعام عموما ، وخصّ الإبل هاهنا بالذكر في حمل الأثقال ، تنبيها على ما تتميّز به على سائر الأنعام ، فإنّ الغنم للسرح والذبح ، والبقر للحرث ، والإبل للحمل.
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بينا راع في غنم عدا عليها الذئب فأخذ منها شاة ، فطلبه الراعي ، فالتفت إليه الذئب ، وقال : من لها يوم السّبع (٢) ، يوم لا راعى لها غيرى ، وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ، فالتفتت إليه فكلّمته ، فقالت : إنى لم أخلق لهذا ، وإنما خلقت للحرث ، فقال الناس : سبحان الله ، [بقرة تتكلم] (٣)! فقال النبي : آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر ، وما هما ثمّ.
المسألة الثانية ـ فيه (٤) جواز السفر بالدواب عليها الأثقال الثّقال ، ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل ، مع الرفق في السير والنزول للراحة.
وقد أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بالرفق بها ، والإراحة لها ، ومراعاة التفقّد لعلفها وسقيها ، وفي الموطّأ قال مالك عن أبى عبيد ، عن خالد بن معدان ـ إن الله رفيق يحبّ الرفق ، ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف ، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها ، فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها (٥) بنقيها ، وعليكم بسير الليل ، فإنّ الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار ، وإياكم والتعريس على الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات.
__________________
(١) آية ٧.
(٢) السبع : الموضع الذي يكون إليه المحشر يوم القيامة ، أراد من لها يوم القيامة (النهاية).
(٣) من م.
(٤) في ا : في.
(٥) في صحيح مسلم : ١٥٢٥ : فبادروا بها نقيها. والنقي هو المخ. أى لتصلوا إلى المقصد ، وفيها بقية ولا تقللوا السير فيلحق بها الضرر ، لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ويذهب نقيها.