وذا رأيت الغنم فيها السالغ والسّخلة (١) ، والغريض والسّديس (٢) صوفها أهدل ، وضرعها منجدل ، وظهرها منسجف ، إذا صعدت ثنيّة مرعت ، وإذا أسهلت عن ربوة طمرت ، تقوم بالكساء ، وتقرّ على الغداء والعشاء ، وتملأ الحواء سمنا وأقطا ، بله البيت ، حتى يسمع الحديث عنها كيت وكيت ، فقد قطعت عنك لعلّ وليت.
وإذا رأيت الخيل نزائع يعابيب ، كأنها في البيداء أهاضيب ، وفي الهيجاء يعاسيب ، رءوسها عوال ، وأثمانها غوال ، لينة الشّكير (٣) ، وشديدة الشّخير ، تصوم وإن رعت ، وتفيض إذا سعت ، فقد متعت الأحوال وأمتعت.
وإذا رأيت البغال كأنها الأفدان (٤) بأكفال كالصّوى ، وأعناق كأعناق الظّبا ، ومشى كمشى القطا أو الدّبى (٥) فقد بلغت فيها المنى.
وليس في الحمير زينة ، وإن كانت عن الخدمة مصونة ، ولكن المنفعة بها مضمونة.
المسألة الثانية ـ هذا الجمال والتزين وإن كان من متاع الدنيا فقد أذن الله فيه لعباده ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ـ خرّجه البرقاني وغيره : الإبل عزّ لأهلها ، والغنم بركة ، والخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وإنما جمع النبي صلى الله عليه وسلم العزّ في الإبل ، لأن فيها اللباس والأكل واللبن والحمل والغزو ، وإن نقصها الكرّ والفرّ. وجعل البركة في الغنم لما فيها من اللباس والطعام والشراب ، وكثرة الولادة ، فإنها تلد في العام ثلاث مرات ، إلى ما يتبعها من السكينة ، وتحمل صاحبها عليه من خفض الجناح ، ولين الجانب ، بخلاف الفدّادين (٦) أهل الإبل. وقرن صلى الله عليه وسلم الخير بنواصي الخيل بقية الدهر ، لما فيها من الغنيمة المستفادة للكسب والمعاش ، وما توصّل إليه من قهر الأعداء ، وغلبة الكفار ، وإعلاء كلمة الله.
وقد روى أشهب ، عن مالك قال : يقول الله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) ، ذلك في المواشي تروح إلى المرعى وتسرح عليه.
__________________
(١) السالع : في السادسة. والسخلة : ولد الشاة ما كان.
(٢) الغريض : كل أبيض طرى.
والسديس : الشاة أتت عليها السنة السادسة.
(٣) الشكير : الشعر في أصل عرف الفرس.
(٤) الفدن : القصر المشيد.
(٥) الدبى : أصغر الجراد والنمل.
(٦) الفدادين : أصحاب الإبل الكثيرة الذين يملك أحدهم المائتين من الإبل إلى الألف.