المسألة الخامسة ـ قوله : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ، فأباح لنا أكلها كما تقدم بيانه بشروطه وأوصافه ، وكان وجه الامتنان بها أنسها ، كما امتنّ بالوحشية على وجه الاصطياد ، فالأول نعمة هنيّة ، والصيد متعة شهيّة ، ونصبة نصيّة (١) ، وهو الأغلب فيها.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٢) : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قوله : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) كما قال في الآية بعدها (٣) : (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، والجمال قد بيناه في كتب الأصول وشرح الحديث ، وأوضحنا أنه يكون في الصورة وتركيب الخلقة ، ويكون في الأخلاق الباطنة ، ويكون في الأفعال.
فأما جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر ، فيلقيه إلى القلب متلائما ، فتتعلّق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا بسببه لأحد من البشر.
وأما جمال الأخلاق فبكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة ، والعدل والعفّة ، وكظم الغيظ ، وإرادة الخير لكل واحد.
وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لصالح الخلق ، وقاضية بجلب المنافع إليهم ، وصرف الشرّ عنهم.
وجمال الأنعام والدوابّ من جمال الخلقة محسوب ، وهو مرئىّ بالأبصار ، موافق للبصائر ، ومن جمالها كثرتها.
فإذا وردت الإبل على الذرى سامية الذرى هجمات هجانا ، توافر حسنها ، وعظم شأنها ، وتعلّقت القلوب بها.
وإذا رأيت البقر نعاجا ترد أفواجا أفواجا ، تقرّ (٤) بقريرها ، معها صلّغها وأتابعها (٥) ، فقد انتظم جمالها وانتفاعها.
__________________
(١) النصيّة من القوم : الخيار
(٢) آية ٦.
(٣) آية ٨.
(٤) تقر : تصوت.
(٥) في ا : معها صلعتها وأذارعها. والصالغ من الشياه : كالقارح من الخيل ، أو دخلت في الخامسة أو في السادسة. (٧ ـ أحكام ـ ٣)