المسألة الخامسة ـ قوله : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا).
قال علماؤنا : لما علموا أنّ بضاعتهم غير مرضية قالوا : اجعلها حباء (١) إن لم تكن شراء. وقال آخرون منهم : طلبوا منه وفاء الكيل والصدقة بعد ذلك ، وكلّ ما (٢) كان صدقة أو هبة يتبع البيع فإنه يلحق به في إحدى الروايتين ، وكذلك النكاح ، وبه قال أبو حنيفة ، ولا يلحق به في الرواية الأخرى ، وبه قال الشافعى. وهي مسألة طيولية قد بيّناها في مسائل الخلاف.
فإن قيل : فكيف جاز لهم أن يطلبوا الصدقة وهم الأنبياء.
قلنا : عنه خمسة أجوبة :
أحدها ـ لا يعلم العلماء أنهم أنبياء ، وآمنّا بالله وملائكته وكتبه ورسله.
الثاني ـ أنهم لم يكونوا بعد أنبياء.
الثالث ـ أنه لا يعلم حالهم (٣) مع الصدقة في شرعهم ، فلعل ذلك كان مباحا (٤) لهم.
الرابع ـ معنى تصدق سامح ، لا أصل الصدقة.
الخامس ـ قيل : تصدّق علينا بأخينا. وبالقولين الأخيرين أقول. والله أعلم.
الآية الثانية والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ : يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
قال العلماء : كان هذا سجود تحية لا سجود عبادة ، وهكذا كان سلامهم بالتكبير وهو الانحناء ، وقد نسخ الله في شرعنا ذلك ، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء والقيام. ومنه الحديث قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : إذا أصبح ابن آدم كفرت أعضاؤه اللسان ، تقول له : اتّق الله فينا ، فإنك إن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا.
__________________
(١) حباء : عطاء من غير مقابل.
(٢) في م : وكل صدقة أو هبة تتبع البيع فإنها تلتحق به.
(٣) في م : الثالث : لا يعلم منع الصدقة في شرعهم.
(٤) في م : فلعلها كانت مباحة.
(٥) آية ١٠٠.