الجوّانى (١) من الجانب الغربي يعقوب على نسبة متماثلة. وفيما يقابلها من الجانب الشرقي قبور أزواجهم على الاعتدال ، على كل قبر حجر عظيم واحد له الطول والعرض والعمق ، حسبما بيناه في كتاب ترتيب الرحلة. وفي الجانب القبلي منه خارج هذا الحرم قبر يوسف منتبذا ، كان له قيّم طرطوشى (٢) زمن ، وله أمّ تنوب عنه ، وهيئة قبر يوسف صلى الله عليه وسلم كهيئة قبورهم. وهذا أصحّ الأقاويل في موضع قبره لأجل ذكر مالك له ، فلم يذكر رضى الله عنه إلا أشبه ما اطلع عليه.
المسألة الثالثة ـ كان يعقوب حزينا في الدرجة التي قد بيناها ، ولكن حزنه كان في قلبه جبلّة ، ولم يكتسب لسانه قولا قلقا يخالف الشريعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه في صحيح الخبر : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلّا ما يرضى ربنا (٣) ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.
وقال أيضا في الصحيح صلى الله عليه وسلم : إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ، ولا يحزن القلب ، وإنما يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ، أو يرحم. وهو تفضّل منه ، سبحانه ، حين علم عجز الخلق عن الصبر ، فأذن لهم في الدمع والحزن ، ولم يؤاخذهم به وخطم الفم بالزمام عن سوء الكلام فنهى عما نهى ، وأمر بالتسليم والرضا لنافذ القضاء ، وخاصة عند الصدمة الأولى. وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى ، وذلك قول يعقوب (٤) : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من جميل صنعه وغريب لطفه وعائدته على عباده.
الآية الحادية والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ).
فيها خمس مسائل :
__________________
(١) في م : الجونى.
(٢) في م : سوسى.
(٣) في م : الرب.
(٤) آية ٨٦ من سورة يوسف.
(٥) آية ٨٨.