تقود الجيوش ، وتباشر الحروب ، وتقتحم مآزق الحرب والضّرب. فيما لم يفرض عليها ، ولا يجوز لها.
ولقد حصر عثمان ، فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقرّبت ، لتخرج إلى مكة ، فقال لها مروان بن الحكم : يا أم المؤمنين ، أقيمى هاهنا ، وردّى هؤلاء الرعاع عن عثمان ، فإن الإصلاح بين الناس خير من حجّك.
وقال علماؤنا رحمة الله عليهم : إن عائشة كانت نذرت الحجّ قبل الفتنة ، فلم تر التخلّف عن نذرها. ولو خرجت عن تلك الثائرة (١) لكان ذلك صوابا لها.
وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ، ولكن تعلق الناس بها ، وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة ، وتهارج الناس ، ورجوا بركتها في الإصلاح ، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق وظنّت هي ذلك ، فخرجت مقتدية بالله في قوله (٢) : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ). وبقوله (٣) : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما).
والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى ، حر أم عبد ، فلم يرد الله بسابق قضائه ، ونافذ حكمه ، أن يقع إصلاح ، ولكن جرت مطاعنات وجراحات ، حتى كاد يفنى الفريقان ، فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه ، فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبى بكر عائشة ، فاحتملها إلى البصرة ، وخرجت في ثلاثين امرأة قرنهنّ علىّ بها ، حتى أوصلوها إلى المدينة برّة تقية مجتهدة ، مصيبة ثابتة (٤) فيما تأوّلت ، مأجورة فيما تأولت وفعلت ، إذ كل مجتهد في الأحكام مصيب.
وقد بينا في كتب الأصول تصويب الصحابة في الحروب ، وحمل أفعالهم على أجمل تأويل.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى).
__________________
(١) في م : النائرة كان ...
(٢) سورة النساء ، آية ١٤٤.
(٣) سورة الحجرات ، آية ٩.
(٤) في م : مصيبة مثيبة مثابة.