فقيل : ذلك عامّ في الرجال والنساء. وقيل : هو خاص للرجال ، لأنّ المقصود بذلك إنزالهنّ منزلة أمهاتهم في الحرمة ، حيث يتوقّع الحلّ ، والحلّ غير متوقع بين النساء ، فلا يحجب بينهن بحرمة.
وقد روى أنّ امرأة قالت لعائشة : يا أماه. فقالت : لست لك بأم ، إنما أنا أمّ رجالكم ، وهو الصحيح (١).
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وقد قدمنا (٢) القول في ذلك في سورة الأنفال.
وثبت عن عروة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وبين كعب بن مالك ، فارتثّ (٣) كعب يوم أحد ، فجاء به الزبير يقوده بزمام راحلته ، فلو مات يومئذ كعب عن الضّح (٤) والريح لورثه الزبير ، فأنزل الله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
فبيّن الله سبحانه أنّ القرابة أولى من الحلف ، فتركت الموارثة بالحلف ، وورثوا بالقرابة ، وقوله : (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) يتعلق حرف الجر بأولى ، وما فيه من معنى الفعل ، لا بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) بإجماع ، لأنّ ذلك كان يوجب تخصيصها ببعض المؤمنين ، ولا خلاف في عمومها ، وهذا حلّ إشكالها.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٥) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً).
__________________
(١) في القرطبي : قلت : لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء. والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء ، يدل عليه صدر الآية : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة (١٤ ـ ١٢٣).
(٢) صفحة ٨٧٨.
(٣) الارتثاث : أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح.
(٤) الضح ـ بالكسر : ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. أراد لو مات عما طلعت عليه الشمس وجرت عليه الريح ، وكنى بذلك عن كثرة الأموال. وفي ا : على الضح.
(٥) آية ٩.
(٣٠ ـ أحكام ـ ٣)