المسألة الأولى ـ يروى أنها قالت : إن كان نبيّا لم يقبل الهديّة ، وإن كان ملكا قبلها.
وفي صفة النبي محمد أنه يقبل الهديّة ، ولا يقبل الصدقة. وكذلك كان سليمان ، وجميع الأنبياء يقبلون الهديّة.
وإنما جعلت بلقيس قبول الهدية أو ردّها علامة على ما في نفسها ، لأنه قال لها في كتابه : (أَلَّا (١) تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ). وهذا لا تقبل فيه فدية ، ولا تؤخذ عنه هدية.
وليس هذا من الباب الذي تقرر في الشريعة من قبول الهدية بسبيل ، وإنما هي رشوة ، وبيع الحق بالمال (٢) هو الرشوة التي لا تحلّ.
وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل فإنها جائزة من كل واحد ، وعلى كل حال.
المسألة الثانية ـ وهذا ما لم تكن من مشرك ، فإن كانت من مشرك ، ففي الحديث : نهيت عن زبد (٣) المشركين.
وفي حديث آخر : لقد همت ألا أقبل هديّة إلا من ثقفىّ أو دوسىّ.
والصحيح ما ثبت عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها.
ومن حديث أبى هريرة : لو دعيت إلى كراع (٤) لأجبت ، ولو أهدى إلىّ ذراع أو كراع لقبلت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ـ في الصيد : هل معكم من لحمه شيء؟ قلت : نعم. فناولته العضد.
وقد استسقى في دار أنس فحلبت له شاة وشيب (٥) وشربه.
وأهدى أبو طلحة له ورك أرنب وفخذيها فقبله.
__________________
(١) آية ٣١.
(٢) في م ، والقرطبي : بالباطل.
(٣) الزبد : الرفد والعطاء. قال الخطابي : يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخا ، لأنه قد قبل هدية غير واحد من المشركين ، أهدى له المقوقس مارية والبغلة ، وأهدى له أكيدر رومة فقبل منهما (النهاية).
(٤) الكراع من الدابة : مستدق الساق.
(٥) شيب : خلط. (٢٧ ـ أحكام ـ ٣)