وفي حديث ابن عمر أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه : لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين ؛ إنى أقرّ لك بالسمع والطاعة ما استطعت ، وإنّ بنىّ قد أقرّوا [لك] (١) بذلك.
وهذه الوجوه كلّها صحيحة. وقد روى أنه لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أحد قبل سليمان.
المسألة الثانية ـ الوصف بالكريم (٢) في الكتاب غاية الوصف ؛ ألا ترى إلى قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ). وأهل الزّمان يصفون الكتاب بالخطير ، وبالأثير ، وبالمبرور ، فإن كان لملك قالوا : العزيز ، وأسقطوا الكريم غفلة ، وهو أفضلها خصلة. فأما الوصف بالعزيز فقد اتصف (٣) به القرآن أيضا ، فقال (٤) : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).
فهذه عزته ، وليست لأحد إلّا له ، فاجتنبوها في كتبكم ، واجعلوا بدلها العالي ، توفية لحق الولاية ، وحياطة للديانة.
المسألة الثالثة ـ هذه البسملة آية في هذا الموضع بإجماع ، ولذلك إنّ من قال : إن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ليست آية من القرآن كفر ، ومن قال : إنها ليست بآية في أوائل السور لم يكفر ، لأنّ المسألة الأولى متفق عليها ، والمسألة الثانية مختلف فيها. ولا يكفر إلا بالنص ، أو ما يجمع عليه.
الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (٥) : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ).
في هذا دليل على صحة المشاورة إمّا استعانة بالآراء ، وإما مداراة للأولياء.
ويقال : إنها أول من جاء أنه شاور ، وقد بينا (٦) المشورة في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته ، وقد مدح الله الفضلاء بقوله (٧) : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ).
الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (٨) : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).
فيها مسألتان :
__________________
(١) من م.
(٢) في ا : بالكرم.
(٣) في م ، والقرطبي : فقد وصف.
(٤) سورة فصلت ، آية ٤١ ، ٤٢.
(٥) آية ٣٢.
(٦) صفحة ٢٩٧.
(٧) سورة الشورى ، آية ٣٨.
(٨) آية ٣٥.