المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) ، فيعمل ويشكر قدر النعمة في دلالة التضادّ على الذي لا ضدّ له ، وفي دلالة المعاقبة على الذي يعدم فيعقبه غيره ، وعلى الفسحة في قضاء الفائت من العمل لتحصيل الموعود من الثواب.
المسألة الثالثة ـ إن الأشياء لا تتفاضل بأنفسها ، فإن الجواهر والأعراض من حيث الوجود متماثلة ، وإنما يقع التفاضل بالصفات.
وقد اختلف أىّ الوقتين أفضل الليل أم النهار؟ وقد بينا في كتاب أنوار الفجر فضيلة النهار عليه ، وفي الصوم غنية في الدلالة. والله أعلم.
الآية السابعة ـ قوله تعالى (١) : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (هَوْناً).
الهون هو الرفق والسكون ، وذلك يكون بالعلم والحلم والتواضع ، لا بالمرح والكبر ، والرياء والمكر ، وفي معناه قلت :
تواضعت في العلياء والأصل كابر |
|
وحزت نصاب السّبق بالهون في الأمر |
سكون فلا خبث السريرة أصله |
|
وجلّ سكون الناس من عظم المكر (٢) |
وقد قال صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، فإن البرّ ليس في الإيضاع (٣).
وكان عمر بن الخطاب يسرع جبلّة لا تكلّفا. والقصد والتؤدة وحسن الصمت من أخلاق النبوة. وقد بيناه في قبس الموطأ. وقد قيل : معناه يمشون رفقا من ضعف البدن ، قد براهم الخوف ، وأنحلتهم الخشية ، حتى صاروا كأنهم الفراخ.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).
اختلف في الجاهلين على قولين :
أحدهما ـ أنهم الكفار.
__________________
(١) آية ٦٣.
(٢) في القرطبي : الكبر.
(٣) الإيضاع : سير مثل الجنب. (٢٥ ـ أحكام ـ ٣)