الآية السادسة ـ قوله تعالى (١) : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في تفسير الخلفة :
وفيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنه جعل أحدهما مخالفا للآخر ، يتضادّان وصفا ، ويتعارضان وضعا ووقتا ، وبذلك نميز.
الثاني ـ أنه إذا مضى واحد جاء آخر ، ومنه قول أبىّ بن كعب (٢) :
بها العيس والآرام يمشين خلفة |
|
وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم (٣) |
الثالث ـ معنى خلفة ما فات في هذا خلفه في هذا.
في الحديث الصحيح : ما من امرئ تكون له صلاة بليل ، فغلبه عليها نوم ، فيصلى ما بين طلوع الشمس إلى صلاة الظهر إلا كتب الله له أجر صلاته ، وكان نومه صدقة عليه.
سمعت ذا الشهيد الأكبر يقول : إن الله خلق العبد حيّا عالما ، وبذلك كماله ، وسلط عليه آفة النوم ، وضرورة الحدث ، ونقصان الخلقة ، إذ الكمال للأول الخالق ، فما أمكن الرجل من دفع النوم بقلّة الأكل والسهر في الطاعة (٤) فليفعل. ومن الغبن العظيم أن يعيش الرجل ستين سنة ينام ليلها ، فيذهب النصف من عمره لغوا ، وينام نحو سدس النهار راحة ، فيذهب ثلثاه ، ويبقى له من العمر عشرون سنة.
ومن الجهالة والسفاهة أن يتلف الرجل ثلثى عمره في لذة فانية ، ولا يتلف عمره بسهره في لذة باقية عند الغنىّ الوفىّ الذي ليس بعديم ولا ظلوم.
__________________
(١) آية ٦٢.
(٢) في القرطبي نسب البيت إلى زهير بن أبى سلمى. وكذلك في اللسان ـ مادة خلف والديوان : ٥.
(٣) في القرطبي : العين ، والعين ـ بالكسر : جمع عيناء ، وهي بقر الوحش ، سميت بذلك لسعة أعينها. والأطلاء : جمع طلا ، وهو ولد البقرة وولد الظبية الصغير. والمجثم : الموضع الذي يجثم فيه ، أى يقام فيه.
(٤) في القرطبي : في طاعة الله.