وقد روى أنّ ابن عباس سئل عن الوضوء بماء البحر ، فقال : إنما هما بحران ، فلا يضرك بأيهما بدأت.
وقد روى مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن سعيد الجارمى ، قال : سألت ابن عمر وعبد الله ابن عمرو عن الحيتان يقتل بعضها بعضا ، وعن ماء البحر ، فلم يريا بذلك بأسا.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (١) : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في النّسب ، وهو عبارة عن مرج (٢) الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع ، فإن كان بمعصية كان خلقا مطلقا ، ولم يكن نسبا محققا ، ولذلك لم يدخل تحت قوله (٣) : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) بنته من الزنا ، لأنها ليست ببنت في أصحّ القولين لعلمائنا ، وأصحّ القولين في الدين قد بيناه في مسائل الخلاف.
المسألة الثانية ـ قوله : (وَصِهْراً).
أمّا النسب فهو ما بين الوطأين موجودا ، وأما الصّهر فهو ما بين وشائج الواطئين معا : الرجل والمرأة ، وهم الأحماء والأختان ، والصّهر يجمعهما لفظا واشتقاقا ، وإذا لم يكن نسب شرعا فلا صهر شرعا ، فلا يحرّم (٤) الزنا ببنت أمّا ، ولا بأمّ بنتا ، وما يحرّم من الحلال لا يحرّم من الحرام ، لأنّ الله امتنّ بالنسب والصّهر على عباده ، ورفع قدرهما ، وعلق الأحكام في الحلّ والحرمة عليهما ، فلا يلحق بالباطل بهما ، ولا يساويهما.
وقد روى عن مالك أنّ الزنا يحرم المصاهرة ، وهذا كتابه الموطأ الذي كتبه بخطّه ، وأملاه على طلبته ، وقرأه من صبوته إلى مشيخته لم يغيّر فيه ذلك ، ولا قال فيه قولا آخر. واكتبوا عنى هكذا. وابن القاسم الذي يحرم المصاهرة بالزنا قرأ ضدّ ذلك عليه في الموطّأ ، فلا يترك الظاهر للباطن ، ولا القول المروىّ من ألف للمروىّ من واحد ، وآحاد ، وقد قررنا ذلك في مسائل الخلاف.
__________________
(١) آية ٥٤.
(٢) في القرطبي : خلط. والمرج : الخلط.
(٣) سورة النساء ، آية ٢٣.
(٤) في القرطبي : فلا يحرم الزنا بنت أم ، ولا أم بنت.