وقد روى ابن نافع عن مالك أنّ النجاسة القليلة إذا وقعت في الزيت الكثير لم ينجسن إذا لم يتغيّر.
وهذه رواية ضعيفة لا يلتفت إليها ، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح سئل عن فأرة سقطت في سمن ، فقال : إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوه.
وفي رواية : وإن كان مائعا فأريقوه.
وقوله : إن كان جامدا فألقوها وما حولها دليل على أنها تفسد المائع ، لأنه عموم سئل عنه ، فخصّ أحد صنفيه بالجواز ، وبقي الآخر على المنع.
وليس هذا بدليل الخطاب ، حسبما بيّناه في أصول الفقه.
وهذه نكتة بديعة تفهموها ، فهي خير لكم من كتاب ، وليست النجاسة معنى محسوسا ، حتى يقال : كلما أزالها فقد قام به الفرض ، وإنما النجاسة حكم شرعىّ عيّن له صاحب الشريعة الماء ، فلا يلحق به غيره ، إذ ليس في معناه ، ولأنه لو لحق به لأسقطه ، والفرع إذا عاد إلحاقه بالأصل بالإسقاط سقط في نفسه. وقد كان تاج السنة ذو العز بن المرتضى الدبوسي يسميه فرخ زنا.
المسألة السابعة ـ توهّم قوم أنّ الماء إذا فضلت للجنب منه فضلة أنه لا يتوضأ بها ، وهذا مذهب باطل ، فقد ثبت عن ميمونة أنها قالت : أجنبت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، واغتسلت من جفنة ، وفضلت فضلة ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها. فقلت : إنى قد اغتسلت منه. فقال : إن الماء ليس عليه نجاسة ـ أو : إن الماء لا يجنب. وقد روى هذا الحديث من طرق.
المسألة الثامنة ـ إذا كان الماء طاهرا مطهّرا على أصله فولغ فيه كلب فسد عند جمهور فقهاء الأمصار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (١) : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات وعفّروه الثامنة بالتراب.
وقد قال مالك : وقد جاء هذا الحديث ، ولا أدرى ما حقيقته. وقد بينا في مسائل الخلاف حقيقته ، وأن الإناء يغسل عبادة ، لا لنجاسة بدليلين :
__________________
(١) صحيح مسلم : ٢٣٥.