الوضوء به ، ولو تغير بها وقد وقعت (١) فيه لكان ذلك تنجيسا له للمخالطة ، والأولى مجاورة لا تعويل عليها.
المسألة الخامسة ـ ثم نركّب على هذا مسألة بديعة ، وهي الماء إذا تغيّر بقراره كزرنيخ أو جير بجرى عليه ، أو تغير بطحلب أو بورق شجر ينبت عليه لا يمكن الاحتراز منه ، فاتفق العلماء على أن ذلك لا يمنع من الوضوء به ، لعدم الاحتراز منه.
وقد روى ابن وهب ، عن مالك أنّ غيره أولى منه ، يعنى إذا وجده ، فإذا لم يجد سواه استعمله ، لأنّ ما يغلب عليه المرء في باب التكليف ، ولا يمكنه التوقّى منه ، فإنه ساقط الاعتبار شرعا.
ولذلك لما كان العبد لا يستطيع النزوع عن صغائر الذنوب ، ولا يمكن بشرا الاحتراز منها لم تؤثّر في عدالته ، ولما كانت الكبائر يمكن التوقّى منها والاحتراز عنها قدحت في العدالة والأمانة ، وكذلك العمل الكثير في الصلاة لما كان الاحتراز منه ممكنا بطلت الصلاة به ، ولما كان العمل اليسير لا يمكن الاحتراز منه كالالتفات بالرأس وحده ، والمراوحة بين الأقدام ، وتحريك الأجفان ، وتقليب اليد ، لم يؤثر ذلك في الصلاة.
وهذه قاعدة الشريعة في باب التكليف كلّه ، فعليه خرج تغيّر الماء بما يغلب عليه عن تغيّره بما لا يغلب عليه.
المسألة السادسة ـ لما وصف الله الماء بأنه طهور ، وامتنّ بإنزاله من السماء ليطهّرنا به دلّ على اختصاصه بذلك ، وكذلك قال لأسماء بنت الصدّيق في دم الحيض يصيب الثوب : حتّيه (٢) ثم اقرصيه ، ثم اغسليه بالماء ، فلذلك لم يلحق غير الماء بالماء لوجهين :
أحدهما ـ ما في ذلك من إبطال فائدة الامتنان.
والثاني ـ لأن غير الماء ليس بمطهّر ، بدليل أنه لا يرفع الحدث والجنابة ، فلا يزيل النجس.
وقال بعض علمائنا ، وأهل العراق : إنّ كلّ مائع طاهر يزيل النّجاسة ، وهذا غلط ، لأن ما لا يدفع النجاسة عن نفسه فكيف يدفعها عن غيره.
__________________
(١) في القرطبي : وضعت فيه.
(٢) حتيه : حكيه (النهاية).