والمصريون ، كابن القاسم وغيره ، يقولون : إنّ قليل الماء ينجّسه قليل النجاسة.
وفي المجموعة نحوه من مذهب أبى حنيفة.
وقال الشافعى بحديث القلّتين ، ورواه عن الوليد بن كثير حسن ظنّ به ، وهو مطعون فيه. والحديث ضعيف.
وقد رام الدارقطني على إمامته أن يصحح حديث القلّتين فلم يستطع ، واغتصّ بجريعة (١) الرّيق فيها ، فلا تعويل عليه ، حسبما مهدناه في مسائل الخلاف. كما تعلق علماؤنا أيضا في مذهبهم بحديث أبى سعيد الخدرىّ في بئر بضاعة (٢) الذي رواه النسائي والترمذي ، وأبو داود وغيرهم : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بئر بضاعة وما يطرح فيها من الجيف والنتن ، وما ينجى (٣) الناس ، فقال : الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه.
وهذا أيضا حديث ضعيف لا قدم له في الصحّة ، فلا تعويل عليه.
وقد فاوضت الطوسي الأكبر في هذه المسألة مرارا ، فقال : إنّ أخلص المذاهب في هذه المسألة مذهب مالك ، فإنّ الماء طهور ما لم يتغير أحد أوصافه ، إذ لا حديث في الباب يعوّل عليه ، وإنما المعوّل على ظاهر القرآن ، وهو قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) ، وهو ماء بصفاته ، فإذا تغيّر عن شيء منها خرج عن الاسم بخروجه (٤) عن الصفة ، ولذلك لما لم يجد البخاري إمام الحديث والفقه في الباب خبرا صحيحا يعوّل عليه قال : «باب إذا تغير وصف الماء» ، وأدخل الحديث الصحيح : ما من أحد يكلم في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب (٥) دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك. فأخبر صلى الله عليه وسلم أنّ الدم بحاله ، وعليه رائحة المسك ، ولم تخرج الرائحة عن صفة الدموية.
ولذلك قال علماؤنا : إذا تغيّر الماء بريح جيفة على طرفيه (٦) وساحله لم يمنع ذلك من
__________________
(١) الجريعة : تصغير الجرعة.
(٢) بئر بضاعة : بئر بالمدينة ، ويقال إن بضاعة اسم المرأة نسبت إلى البئر.
(٣) ينجى الناس : أى يلقونه من العذرة (اللسان ـ نجا).
(٤) في القرطبي : لخروجه.
(٥) يثعب : يجرى.
(٦) في القرطبي : طرفه.