ونظيره من الماء ما تلف على الأعضاء ، فإنه لا يصحّ أن يؤدّى به فرض آخر لتلف عينه حسّا ، كما تلف الرق في الرقبة بالعتق الأول حكما ، وهذا نفيس فتأمّلوه.
وفي الصحيح عن جابر قال : دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل ، فتوضّأ فصبّ علىّ من وضوئه ، فأفقت ... وذكر الحديث.
وهذا يدلّ على أنّ الماء الفاضل عن الوضوء والجنابة طاهر ، لا على طهارة الماء المستعمل ، كما توهّمه علماؤنا ، وهذا خطأ فاحش فتأمّلوه.
المسألة الرابعة ـ لما قال الله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) ـ وكان الماء معلوما بصفة طعمه وريحه ولونه ـ قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إذا كان بهذه الصفة فلا خلاف في طهوريته ، فإذا انتقل عن هذه الصفات إلى غيره بتغيّر وصف من هذه الأوصاف الثلاثة خرج عن طريق السنّة وصف الطهورية.
والمخالط للماء على ثلاثة أضرب :
ضرب يوافقه في صفتيه جميعا : وهي الطهارة والتطهير ، فإذا خالطه فغيره لم يسلبه وصفا منهما ، لموافقته له فيهما ، وهو التراب.
والضرب الثاني يوافق الماء في إحدى صفتيه ، وهي الطهارة ، ولا يوافقه في صفته الأخرى ، وهي التطهير ، فإذا خالطه فغيره سلبه ما خالفه فيه ، وهو التطهير ، دون ما وافقه ، وهي الطهارة ، كماء الورد وسائر الطهارات.
والضرب الثالث مخالفته في الصفتين جميعا : وهي الطهارة والتطهير ، فإذا خالطه فغيره سلبه الصفتين جميعا ، لمخالفته له فيهما ، وهو النجس. وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف وكتب الفروع.
وقال أبو حنيفة : إذا وقعت نجاسة في ماء أفسدته كلّه ، كثيرا كان أو قليلا ، إذا تحققت عموم النجاسة فيه.
ووجه تحقّقها عنده أن تقع مثلا نقطة بول في بركة ماء ، فإن كانت البركة يتحرّك طرفاها بتحريك أحدهما فالكلّ نجس ، وإن كانت حركة أحد الطرفين لا تحرّك الآخر لم ينجس.