فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب ، وهو فعل يتعدّى ، ووصفها الثاني بالمبالغة في النوم ، وهو فعل لا يتعدّى ، وإنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة ، ومن الشرع طهارة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور.
وقد يأتى بناء «فعول» لوجه آخر ، ليس من هذا كلّه ، وهو العبارة به عن آلة الفعل (١) لا عن الفعل ، كقولنا : وقود وسحور ـ بفتح الفاء (٢) ؛ فإنه عبارة عن الحطب وعن الطعام المتسحّر به (٣) ، وكذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح الطاء أيضا خبرا عن الآلة التي يتطهّر بها.
فإذا ضممت الفاء في الوقود و (٤) السحور والطهور عاد إلى الفعل ، وكان خبرا عنه ؛ فثبت بهذا أنّ اسم الفعول ـ بفتح الفاء ـ يكون بناء للمبالغة ، ويكون خبرا عن الآلة ، وهذا الذي خطر ببال الحنفية ، ولكن قصرت أشداقها عن لوكه ، وبعد هذا يقف البيان به عن المبالغة ، أو عن الآلة على الدليل ، مثاله قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً). وقوله صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ويحتمل العبارة [به] (٥) عن الآلة ، فلا حجّة فيه لعلمائنا ، لكن يبقى قوله : (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) نصّا في أنّ فعله متعدّ إلى غيره. وهذه المسألة إنما أوجب الخلاف فيها ما صار إليه الحنفية والشافعية ، وهي :
المسألة الثالثة ـ حين قالوا : إن الماء المستعمل في رفع الحدث لا يجوز الوضوء به مرة أخرى ، لأن المنع الذي كان في الأعضاء انتقل إلى الماء.
وقال علماؤنا حينئذ : إنّ وصف الماء بأنه طهور يقتضى التكرار على رسم بناء المبالغة ، وهذا مما لا يحتاج إليه ، حسبما بيناه في مسائل الخلاف.
وإنما تنبنى مسألة الماء المستعمل على أصل آخر ، وهو أنّ الآلة أذا أدّى بها فرض ، هل يؤدّى بها [فرض] (٦) آخر أم لا؟ فمنع ذلك المخالف قياسا على الرّقبة ، إنه إذا أدّى بها فرض عتق لم يصلح أن يتكرّر في أداء فرض آخر ، وهذا باطل من القول ، فإن العتق إذا أتى على الرّق أتلفه ، فلا يبقى محلّ لأداء الفرض بعتق آخر.
__________________
(١) في القرطبي : عن الآلة للفعل.
(٢) أى فاء الفعل.
(٣) في ا : المسحر به.
(٤) في ا : وفي.
(٥) من القرطبي.