بصفة (١) التسليم ، وقيل لهم حينئذ : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ، كما حكم (٢) في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء ، وهذه حكمته في الدنيا ، وتلك حكمته ورحمته في الأخرى. وأما قول الشاعر :
ريقهنّ طهور
فوصف الريق بأنه طهور ، وهو لا يطهر ، فإنما قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية ، أراد أنه لعذوبته ، وتعلّقه بالقلوب ، وطيبه في النفوس ، وسكون غليل الحبّ (٣) برشفه ـ كأنه الماء الطهور.
وبالجملة فإنّ الأحكام الشرعية لا تثبت بالمجازات الشرعية لا تثبت بالمجازات الشعرية ؛ فإن الشعراء يتجاوزون في الاستغراق حدّ الصّدق إلى الكذب ، ويسترسلون في القول حتى يخرجهم ذلك إلى البدعة والمعصية ، وربما وقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون ؛ ألا ترى إلى قول بعضهم :
ولو لم تلامس صفحة الأرض رجلها |
|
لما كنت أدرى علّة للتيمم |
وهذا كفر صراح نعوذ بالله منه.
قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : هذا منتهى لباب كلام العلماء ، وهو بالغ في فنّه ، إلا أنّى تأملته من طريق العربية فوجدت فيها مطلعا شريفا (٤) ، وهو أنّ بناء «فعول» للمبالغة ؛ إلا أنّ المبالغة قد تكون في الفعل المتعدى ، كما قال الشاعر (٥) :
ضروب بنصل السيف سوق سمانها
وقد تكون في الفعل القاصر ، كما قال الشاعر(٦):
نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل
__________________
(١) في القرطبي : بصفات.
(٢) في القرطبي : ولما كان حكمه في الدنيا بزوال الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته ورحمته في الآخرة.
(٣) في القرطبي : المحب.
(٤) في القرطبي : مشرفا.
(٥) صدر بيت لأبى طالب بن عبد المطلب ، وتمامه :
إذا عدموا زادا فإنك عاقر
(٦) عجز بيت من معلقة امرئ القيس ، وصدره :
ويضحى فتيت المسك فوق فراشها