أحدهما ـ أنه بمعنى مطهّر لغيره ؛ وبه قال مالك والشافعى ، وخلق كثير سواهما.
والثاني ـ أنه بمعنى طاهر ، وبه قال أبو حنيفة ، وتعلّق في ذلك بقول الله تعالى (١) : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ، يعنى طاهرا ؛ إذ لا تكليف في الجنّة. وقال الشاعر (٢) :
خليلىّ هل في نظرة بعد توبة |
|
أداوى بها قلبي علىّ فجور |
إلى رجّح الأكفال هيف خصورها |
|
عذاب الثنايا ريقهنّ طهور |
فوصف الريق بأنه طاهر ، وليس بمعنى أنه يطهر.
وتقول العرب : رجل نؤوم ، وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره ، وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه ، ودليلنا قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً). وقال (٣) : (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) ؛ فبيّن أنّ وصف «طهور» يفيد التطهير.
وقال صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. وأراد مطهرة بالتيمم ، ولم يرد طاهرة به ، وإن كانت قبل ذلك طاهرة. وقال في ماء البحر : هو الطهور ماؤه ، ولو لم يكن معنى الطهور المطهر لما كان جوابا لسؤالهم.
وأجمعت الأمّة لغة وشريعة على أنّ وصف «طهور» مختصّ بالماء ، ولا يتعدّى إلى سائر المائعات ، وهي طاهرة ؛ فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدلّ دليل على أنّ الطهور هو المطهر.
فأما تعلّقهم بوصف الله لشراب الجنة بأنه طهور ، والجنة لا تكليف فيها ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأنّ الله تعالى أراد بذلك المبالغة في الصفة ، وضرب المثل بالمبالغة في الدنيا ، وهو التطهير.
وقد قال علماؤنا : إنّ وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب ، وعن خسائس الصفات ، كالغلّ والحسد ؛ فإذا شربوا هذا الشراب طهّرهم (٤) الله به من رحض الذنوب ، وأوضار الاعتقادات الذميمة ؛ فجاءوا الله بقلب سليم ، ودخلوا الجنة
__________________
(١) سورة الدهر ، آية ٢١.
(٢) اللسان ـ مادة رجح.
(٣) سورة الأنفال ، آية ١١.
(٤) في القرطبي : يطهرهم الله به.