وفي الآثار : من دخل السوق فقال : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، غفرت ذنوبه ؛ إنباء بأنه وحده عند صخب الخلق ورغبهم (١) في المال ، أقبل على ذكر الله ، لم يقصد في تلك البقعة سواه (٢) ، ليعمرها بالطاعة إن غمرت بالمعصية ، وليحلّها (٣) بالذكر إن عطلت بالغفلة ، وليعلّم الجهلة ، ويذكّر الناسين.
المسألة الثالثة ـ أمّا أكل الطعام فضرورة الخلق ، لا عار ولا درك فيها. وأما الأسواق فسمعت مشيخة العلم يقولون : لا يدخل إلّا سوق الكتب والسلاح. وعندي أنه يدخل كلّ سوق للحاجة إليه ، ولا يأكل فيه ؛ فإن ذلك إسقاط للمروءة ، وهدم للحشمة.
ومن الأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأكل في السوق دناءة. وهو حديث موضوع ، لكن رويناه من غير طريق ، ولا أصل له في الصحة ولا وصف.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٤) : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً ، وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً).
يعنى سترا للخلق ، يقوم مقام اللباس في ستر البدن ، ويربى عليه بعمومه وسعته. وقد ظنّ بعض الغفلة أنّ من صلّى عريانا في الظلام أنه يجزئه ؛ لأنّ الليل لباس ؛ وهذا يوجب أن يصلّى عريانا في بيته إذا أغلق عليه بابه. والستر في الصلاة عبادة تختصّ بها ؛ ليست لأجل نظر الناس ؛ ولا حاجة إلى الإطناب في هذا.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٥) : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً).
فيها اثنتا عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ قد بينا قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) في سورة المؤمنين (٦) ، فلا وجه لإعادته.
المسألة الثانية ـ قوله : (ماءً طَهُوراً) ، فوصف الماء بأنه طهور.
واختلف الناس في معنى وصفه بأنه طهور على قولين :
__________________
(١) الرغب ، بفتح الراء وتضم وسكون الغين المعجمة : الرغبة.
(٢) سواه : أى سوى الله تعالى.
(٣) في القرطبي : ليحليها.
(٤) آية ٤٧.
(٥) آية ٤٨.
(٦) صفحة ١٢٩٩.