سورة الفرقان
[فيها إحدى عشرة آية]
الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (وَقالُوا : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ عيّر المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكله الطعام ؛ لأنهم أرادوا أن يكون الرسول ملكا ، وعيّروه بالمشي في السوق ، فأجابهم الله بقوله (٢) : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) ؛ فلا ترتب بذلك ولا تغتمّ به ؛ فإنها شكاة ظاهر عنك عارها (٣) ، وحجّة قاهر لك خارها (٤).
وهذا إنما أوقعهم فيه عنادهم ؛ لأنه لما ظهرت عليهم المعجزة ، ووضحت في صدقه الدلالة لم يقنعهم ذلك ، حتى سألوه آيات أخر سواها ، وألف آية كآية عند المكذّب بها ؛ وأوقعهم أيضا في ذلك جهلهم حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفّعون عن الأسواق ـ أنكروا على محمد صلى الله عليه وسلم ذلك ، واعتقدوه ملكا يتصرّف بالقهر والجبر ؛ وجهلوا أنه نبىّ يعمل بمقتضى النهى والأمر ، وذلك أنهم كانوا يرونه في سوق عكاظ ومجنّة العامة ، وكان أيضا يدخل الخلصة (٥) بمكة ، فلما أمرهم ونهاهم قالوا : هذا ملك يطلب أن يتملّك علينا ، فما له يخالف سيرة الملوك في دخول الأسواق ؛ وإنما كان يدخلها لحاجته ، أو لتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته ، ويعرض نفسه على القبائل في مجتمعهم ، لعل الله أن يرجع إلى الحقّ بهم.
المسألة الثانية ـ لما كثر الباطل في الأسواق ، وظهرت فيها المناكر ، كره علماؤنا دخولها لأرباب الفضل ، والمهتدى بهم في الدّين ، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها.
__________________
(١) آية ٧.
(٢) السورة نفسها آية ٢٠.
(٣) في اللسان ـ شكا : عير رجل عبد الله بن الزبير بأمه فقال ابن الزبير : وتلك شكاة ظاهر عنك عارها. أراد أن تعييره إياه بأن أمه كانت ذات النطاقين ليس بعار. ومعنى قوله ظاهر عنك عارها : أى ناب وصدر البيت : وعيرها الواشون أنى أحبها. ديوان الهذليين (١ ـ ٢١).
(٤) خارها : ضعفها.
(٥) الخلصة ـ يروى بالتحريك ، وبضم أوله وثانيه ، والأول أصح ، وهو بيت أصنام (ياقوت).