المعنى الثالث ـ أن معناه لا تسوّوا بين الرسول وبينكم في الدعوة ، كلّ أحد يدعى باسمه ، إلّا رسول الله فإنه يدعى بخطّته وهي الرسالة.
وكذلك قال العلماء غفيرا (١) : إن الخليفة يدعى بها ، والأمير والمعلم ، ويوفر على كل واحد حظّه من الخطة ، فيدعى بها قصد الكرامة.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) : بهذه الآية احتجّ الفقهاء على أنّ الأمر على الوجوب.
وقد بيّنا في أصول الفقه أنّ الأمر صريح في الاقتضاء والوجوب ، لا يؤخذ من نفس الأمر ، وإنما يؤخذ من توجّه اللّوم والذم ، فالأمر مقتض ، واللوم والذّم خاتم ، وذكر العقاب بالثأر مكبّر ، يعدّ به الفعل في جملة الكبائر ، فلينظر تحقيقه هنالك.
وقد قال جماعة : إن الأمر هاهنا بمعنى البيان من قول أو فعل وهو الصحيح. والمخالفة تكون بالقول وبالفعل ، وكل ذلك يترتّب على أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم وفعله ، فإن كان واجبا كانت المخالفة حراما ، وإن كان الأمر والفعل ندبا كانت المخالفة مكروهة ، وذلك يترتّب على الأدلّة ، وينساق بمقتضى الأحوال والأسباب القاضية عليه بذلك.
المسألة الرابعة ـ قال علماؤنا في قوله : (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ).
فيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ الكفر.
الثاني ـ العقوبة.
الثالث ـ بلية يظهر بها ما في قلوبهم من النفاق.
وهذه الأقوال صحيحة كلها ، ولكن متعلقاتها مختلفة ، فهنالك مخالفة توجب الكفر ، وذلك فيما يتعلّق بالعقائد ، وهنالك مخالفة هي معصية ، وذلك فيما يتعلق بأعمال الجوارح ، حسبما بيناه في كتب أصول الدين والردّ على المخالفين من المبتدعة والملحدين ، ورتّبنا منازل ذلك كله ، ومساقه ومتعلقه بدليله.
وقد أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الأزدى ، أخبرنا
__________________
(١) غفيرا : جميعا.