الآية التاسعة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ، قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) :
فيه مسألة بديعة من العربية ، وهي أنّ المصدر قد يضاف إلى المفعول ، كما يضاف إلى الفاعل ، تقول : أعجبنى ضرب زيد عمرو ، على الأول ، كما تقول : كرهت ضرب زيد عمرا ، على الثاني.
وقد جهل بعض الأدباء هذا المقدار ، فعقد فصلا في ترغيب الناس في الدعاء ، قال فيه : فاهتبلوا بالدعاء ، وابتهلوا برفع أيديكم إلى السماء ، وتضرّعوا إلى مالك أزمّة الفضاء ، فإنه تعالى يقول (٢) : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) ، وأراد لو لا سؤالكم إياه ، وطلبكم منه ، ورأى أنه مصدر أضيف إلى فاعل. وليس كما زعم ، وإنما هو مصدر أضيف إلى المفعول.
والمعنى قل يا محمد للكفار : ما يعبأ بكم ربّى لو لا دعاؤكم ببعثه الرّسل إليكم ، وتبيين الأدلة لكم ، فقد كذّبتم فسوف يكون عذابكم ، لزاما.
المسألة الثانية ـ قد قال جماعة من الناس : إن المراد بالإضافة هاهنا إضافة المصدر إلى الفاعل ، ويكون لذلك ثلاثة معان :
أحدها ـ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض بينكم ، فإنّ إجابته واجبة ، وليست إجابتكم واجبة. يعنى على الإطلاق ، وإنما تجب إجابة الخلق بقرائن من حقوق الله ، أو من حقوق الداعي. وقد تقدم بيان وجوب إجابة دعاء الرسول في سورة الأنفال.
والثاني ـ أن يكون معناه احذروا أن تتفرّقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيدعو عليكم ، وليس دعاؤه كدعاء بعضكم بعضا ، فإن دعوته مجابة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : إنى عاهدت ربّى عهدا قلت : اللهم إنى بشر أغضب كما يغضب البشر ، فأيما رجل لعنته أو سببته فاجعل ذلك صلاة عليه ورحمة إلى يوم القيامة.
__________________
(١) آية ٦٣.
(٢) سورة الفرقان ، آية ٧٧.