وهذا إذا كان فارغا ، فأما إذا كان فيه أهله وعياله وخدمه فليقل : «السلام عليكم» ، فإنهم أهل للتحية منه ، وإن كان مسجدا فليقل كما جاء في الحديث : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وعليه حمل ابن عمر البيت الفارغ.
والذي أختاره إذا كان البيت فارغا أنه لا يلزم (١) السلام ، فإنه إذا كان المقصود الملك (٢) فالملائكة لا تفارق العبد بحال ، أما إنه إذا دخلت بيتك يستحبّ لك ذكر الله بما قد شرحناه في سورة الكهف بأن يقول (٣) : ما شاء الله لا قوّة إلا بالله. والله أعلم.
المسألة الرابعة عشرة ـ قد بيّنا في سورة النساء كيفية السلام الذي شرع الله لعباده ، وأوضحنا مجراه ، ومما أجمع عليه العلماء أنّ سلام الواحد على الجماعة يكفى في الابتداء والردّ. وقال الحسن : كان النساء يسلّمن على الرجال ، ولا يسلم الرجال على النساء. وهذا صحيح ، فإنها خلطة وتعرّض إلا أن تكون امرأة متجالّة (٤) ، إذ الخلطة لا تكون بين الرجال والنساء ، وهذا هو المقصود والمنتهى.
الآية الثامنة والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في سبب نزول الآية ، والمراد بها في ذلك ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنّ الأمر الجامع الجمعة ، والعيدان ، والاستسقاء ، وكل شيء يكون فيه الخلطة ، قاله يحيى بن سلام.
الثاني ـ أنه كلّ طاعة لله ، قاله مجاهد.
الثالث ـ أنه الجهاد ، قاله زيد بن أسلم.
__________________
(١) في ا : أنه يلزم السلام.
(٢) في القرطبي : الملائكة.
(٣) آية ٣٩.
(٤) متجالة : كبرت وأسنت (النهاية).
(٥) آية ٦٢.