فنظر إليه الغلام ، فحزن لها عمر فقال : وددت أنّ الله بفضله نهى عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذننا. ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت عليه ، فحمد الله.
المسألة السادسة ـ يريد بقوله : (صَلاةِ الْعِشاءِ) التي يدعوها الناس العتمة.
وفي الصحيح من رواية عبد الله بن المغفل المزني أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : لا يغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب. قال : والأعراب تقول العشاء ، وتسمّى أيضا العشاء العتمة ، ففي الحديث الصحيح (١) : لو يعلمون ما في العتمة والفجر لأتوهما ولو حبوا.
وفي البخاري أيضا ، عن أبى برزة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخّر العشاء.
وقال أنس (٢) : أخّر النبىّ صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة.
وفي حديث عائشة : أعتم النبىّ صلى الله عليه وسلم بالعتمة.
وقول أنس في البخاري : العشاء الآخرة يدلّ على العشاء الأولى.
وفي الحديث (٣) : لا يغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء يدعونها العتمة ، لأنهم يعتمون بحلاب الإبل.
وهذه أخبار متعارضة لا يعلم منها الأول من الآخر بالتاريخ ، لكن كلّ حديث بذاته يبيّن وقته ، وذلك أنّ النّهى من النبىّ صلى الله عليه وسلم عن تسمية صلاة المغرب عشاء ، وعن تسمية صلاة العشاء عتمة ثابت ، فلا مردّ له من أقوال الصحابة فضلا عمّن عداهم.
وقد كان ابن عمر يقول : من قال صلاة العتمة فقد أثم. وقال ابن القاسم : قال مالك : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) ، فالله سماها صلاة العشاء ، فأحبّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أن تسمّى بما سمّاها به الله ، ويعلّمها الإنسان أهله وولده ، ولا يقل عتمة إلا عند خطاب من لا يفهم ، وقد قال حسان (٤) :
وكانت لا يزال بها أنيس |
|
خلال مروجها نعم وشاء |
فدع هذا ولكن من لطيف |
|
يؤرّقنى إذا ذهب العشاء |
__________________
(١) صحيح مسلم : ٣٢٥ ، وفيه : ما في العتمة والصبح ...
(٢) صحيح مسلم : ٤٤٥.
(٣) ديوانه : ٢.