وهذا ضعيف جدّا بما بيناه في غير موضع من أنّ شروط النسخ لم تجتمع فيه من المعارضة ، ومن التقدم والتأخر ، فكيف يصحّ لناظر أن يحكم به؟
المسألة الرابعة ـ في التنقيح :
اعلموا وفّقكم الله أنّ الحجبة (١) واقعة من الخلق شرعا ، ولذلك وجب الاستئذان حتى يخلص به المحجور من المطلق ، والمحظور من المباح ، وقد قال الله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها). ثم قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) على ما شرحناه ، فاستثنى ما ملكت اليمين من المحجور ، ثم استثنى في ملك اليمين هذه الأوقات الثلاثة ، فالعبد إذا كان وغدا ، أو ذا منظرة (٢) ، وكان حكمه في الحجبة على صفة فإن هذه الأوقات الثلاث لا يدخل فيها عبد كيفما كان ولا أمة إلا بعد الاستئذان.
المسألة الخامسة ـ قوله : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، فذكر قبل صلاة الفجر ، وعند الظّهيرة ، وهي القائلة ، ومن بعد صلاة العشاء ، وهي أوقات الخلوة التي يكون فيها التصرف بخلاف الليل كلّه ، فإنه وقت خلوة ، ولكن لا تصرّف فيه ، لأنّ كل أحد مستغرق بنومه ، وهذه الأوقات الثلاثة أوقات خلوة وتصرّف ، فنهوا عن الدخول بغير إذن لئلا يصادفوا منظرة مكروهة.
وفي الصحيح : كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يصلّى كذا وركعتين قبل صلاة الصبح ، وكانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ـ من حديث ابن عمر.
وفي رواية عنه : لا أدخل.
وعن عائشة : كان النبىّ صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ، ويقوم آخره ، ثم يرجع إلى فراشه حتى يأتيه المؤذّن ، فإن كانت به حاجة اغتسل ، وإلّا توضّأ وخرج ـ رواه البخاري وغيره.
وفي الآثار التفسيرية أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر غلاما من الأنصار ـ يقال له مدلج ـ في الظهيرة ، فدخل على عمر بغير إذن ، فأيقظه بسرعة ، فانكشف شيء من جسده ،
__________________
(١) حجبه حجبا وحجابا : ستره.
(٢) المنظر والمنظرة : ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك. (٢٣ ـ أحكام ـ ٣)