وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين ، وكانوا مطلوبين فعادوا طالبين ، وهذا نهاية الأمن والعز (١).
المسألة الرابعة ـ قال قوم : إن هذا وعد لجميع الأمّة في ملك الأرض كلها تحت كلمة الإسلام ، كما قال صلى الله عليه وسلم : زويت لي (٢) الأرض ، فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لي منها.
قلنا لهم : هذا وعد عامّ في النبوة والخلافة ، وإقامة الدعوة ، وعموم الشريعة ، بنفاذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حاله ، حتى في المفتين والقضاة والأئمة ، وليس للخلاف محلّ تنفذ فيه هذه الموعدة الكريمة إلّا من تقدّم من الخلفاء الأربعة.
المسألة الخامسة ـ قوله : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ).
فيه قولان :
أحدهما ـ أنها أرض مكة ، وعدت الصحابة أن يستخلفوا فيها الكفار.
الثاني ـ أنها بلاد العرب والعجم.
وهو الصحيح ، لأن أرض مكة محرّمة على المهاجرين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لكن البائس سعد بن خولة ـ يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة.
وقال في الصحيح أيضا : يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا. من رواية العلاء بن الحضرمي.
الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ
__________________
(١) في القرطبي : قلت هذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة حتى يخصوا بها من عموم الآية ، بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين بل وغيرهم (١٢ ـ ٢٩٨).
(٢) صحيح مسلم : ٢٢١٥. زويت : جمعت.
(٣) آية ٥٨.