استاءه بنور الزرقاء ـ يعنى بنى مروان ـ زاد في رواية : اعدد ، أبو بكر كذا ، وعمر كذا ، وعثمان كذا ، وعلى كذا ، والحسن ستة أشهر ، فهؤلاء ثلاثون سنة.
وقد روى الترمذىّ وغيره أنّ رجلا قام إلى الحسن بن على بعد ما بايع معاوية ، فقال له : يا مسوّد وجوه المؤمنين. فقال : لا بأس ، رحمك الله ، فإنّ النبي أرى بنى أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ). ونزلت : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). يملكها بعدك بنو أمية يا محمد.
قال القاسم ـ راوي الحديث : فعددناها فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد ولا تنقص.
وفي الحديث الصحيح أنّ النبي أجلس الحسن في حجره على المنبر ، وقال : إن ابني هذا سيّد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
المسألة الثالثة ـ فإن قيل هذا الوعد يصحّ لكم في أبى بكر وحده ، فأما عمر فأىّ أمن معه ، وقد قتل غيلة. وعثمان قد قتل غلبة ، وعلىّ قد نوزع بالجنبة (١) والجلبة.
قلنا : هذا كلام جاهل غبىّ أو متهاون ، يكنّ على نفاق خفىّ ، أمّا عمر وعثمان فجاءهما أجلهما ، وماتا ميتتهما التي كتب الله لهما ، وليس في ضمن الأمن السلامة من الموت بأى وجه وقع.
وأما علىّ فلم يكن نزاله في الحرب مذهبا للأمن ، فليس من شرط الأمن رفع الحرب ، إنما من شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره ، وسلامته عن الغلبة المشحونة بالذّلة ، كما كان أصحاب النبي بمكة ، فأما بعد ما صاروا إلى المدينة فقد آلوا إلى الأمن والعزّة.
في الصحيح عن خبّاب بن الأرتّ ، قال : شكونا إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة ، فقلنا له : ألا تستنصر لنا! ألا تدعو الله لنا! قال : كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض ، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار ، فيوضع على رأسه ، فيشقّ باثنين ، وما يصدّه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحم من عظم وعصب ، وما يصدّه ذلك عن دينه ، والله ليتمّنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه. ولكنكم تستعجلون.
__________________
(١) الجنبة : الاعتزال.