الدين ، وأدلة اليقين ، فبايعه الصحابة ، ثم استخلف عمر فلزمت الخلافة ، ووجبت النّيابة ، وتعيّن السمع والطاعة ، ثم جعلها عمر شورى ، فصارت لعثمان بالنظر الصحيح ، والتبجيل الصريح ، والمساق الفسيح ، جعل الثلاثة أمرهم إلى ثلاثة ، ثم أخرج عبد الرحمن نفسه بشرط أن يكون إلى من اختاره من الرجلين ، فاختار عثمان ، وما عدل عن الخيار ، وقدمه ، وحقّه التقديم على علىّ.
ثم قتل عثمان مظلوما في نفسه ، مظلوما جميع الخلق فيه ، فلم يبق إلا علىّ أخذا بالأفضل فالأفضل ، وانتقالا من الأول إلى الأول ، فلا إشكال لمن جنف (١) عن المحال أنّ التنزيل على هؤلاء الأربعة وعد الله في هذه الآية.
ثم كملت لحال أبى بكر فاتحة وخاتمة.
ثم كملت لعمر ، وكسر الباب ، فاختلط الخشار (٢) باللباب ، وانجرت الحال مع عثمان واضحة للعقلاء ، معترضا عليها من الحمقى ، ثم نفذ القدر بقتله إيثار للخلق منه على نفسه وأهله ، ثم قام علىّ أحسن قيام لو ساعده النقض والإبرام ، ولكنه وجد الأمور نشرا ، وما رام رتق (٣) خصم إلا انفتق عليه خصم ، ولا حاول طىّ منتشر إلّا عارضه عليه أشر ، ونسبت إليه أمور هو منها برىء براءة الشمس من الدّنس ، والماء من القبس (٤) ، وطالبه الأجل حتى غلبه ، فانقطعت الخلافة ، وصارت الدنيا ملكا تارة لمن غلب ، وأخرى لمن خلب ، حتى انتهى الوعد الصادق ابتداؤه وانتهاؤه.
أما الابتداء فهذه الآية ، وأما الانتهاء فبحديث سفينة ، قال سعيد بن حمدان ، عن سفينة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتى الله الملك من يشاء.
قال سعيد : قال لي سفينة : أمسك عليك ، أبو بكر سنتين ، وعمر عشرا ، وعثمان اثنى عشر ، وعلى كذا (٥).
قال سعيد : قلت لسفينة : إنّ هؤلاء يزعمون أنّ عليّا لم يكن خليفة. قال : كذبت ،
__________________
(١) جنف : مال.
(٢) الخشار والخشارة : الرديء من كل شيء.
(٣) رتق : إصلاح.
(٤) القبس : شعلة نار تقبس من معظم النار.
(٥) في القرطبي : وخلافة على ستا.