المسألة الثالثة ـ لما لم يجعل الله بين العفّة والنكاح درجة دلّ على ما عداهما محرّم ، ولا يدخل فيه ملك اليمين ، لأنه بنص آخر مباح ، وهو قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، فجاءت فيه زيادة هذه الإباحة بآية في آية ، ويبقى على التحريم الاستمناء ردّا على أحمد بن حنبل ، كما تقدم بيانه ، وكذلك يخرج عنه نكاح المتعة لنسخه ، كما تقدم.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (لا يَجِدُونَ نِكاحاً) ، يعنى يقدرون ، وعبّر عن القدرة بالوجود ، وعن عدمها بعدمه ، كما تقدم في قوله تعالى (١) : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) حرفا بحرف ، فخذه منه.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
فيها قولان :
أحدهما ـ بالقدرة على النكاح.
الثاني ـ بالرغبة عنه.
وقال بعض علمائنا : إنه يستعفّ بالصوم ، لحديث عبد الله بن مسعود ، قال (٢) : كنّا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، فإنه أغضّ للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء (٣). وهو أصحّ الأقوال لانتظام القرآن فيه ، والحديث واللفظ والمعنى ، والله أعلم.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ) ، يعنى يطلبون الكتاب ، يريد المكاتبة على مال يدفعونه إلى ساداتهم ، فافعلوا ذلك لهم ، فذكر الله طلب العبد للمكاتبة ، وأمر السّيد بها حينئذ ، وهي حالتان :
الأولى ـ أن يطلبها العبد ، ويجيبه السيد ، فهذا مطلق الآية وظاهرها.
__________________
(١) سورة النساء ، آية ٤٣.
(٢) صحيح مسلم ، صفحة ١٠١٩.
(٣) وجاء : الوجء : أن ترض أنثيا الفحل رضا شديدا يذهب شهوة الجماع ، والاسم الوجاء والمراد أن الصوم يقطع الشهوة كما يفعله الوجاء. (٢٢ ـ أحكام ـ ٣)