قلنا : هذا لا يؤثر في الخطاب ، فإنّ ذلك كثير في القرآن ، وأقرب منه الآية التي تلوناها آنفا في قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ...) إلى آخر الاثنى عشر وجها ، وكلّ واحد يختلف في بابه ، والخطاب مشترك فيهم ، وإن كان الحكم يختلف في التعلّق بهم.
المسألة السابعة ـ في هذه الآية دليل على تزويج الفقير ، ولا يقولن (١) كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإنّ رزقه ورزق عياله على الله ، وقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم الموهوبة من بعض أصحابه ، وليس له إلا إزار واحد ، وليس لها بعد هذا فسح النكاح بالإعسار ، لأنها عليه دخلت ، وإنما يكون ذلك على الحكم إذا دخلت على اليسار ، فخرج معسرا ، أو طرأ الإعسار بعد ذلك ، والله أعلم.
الآية الثامنة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فيها ست عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ هذا خطاب لبعض من تناولته الآية الأولى ممن يملك أمر نفسه ، فيتعفّف ويتوقّف ، أو يقدم على النكاح ، ولا يتخلّف. وأما من زمامه بيد سواه يقوده إلى ما يراه ، فليس له في هذه الآية مدخل كالمحجور قولا واحدا ، والأمة والعبد على أحد قولي العلماء.
المسألة الثانية ـ إن كان النكاح في الآية الأولى مختلفا فيه ما بين وجوب وندب وإباحة فالاستعفاف لا خلاف في وجوبه لأجل أنه تمسك عما حرم الله ، واجتناب المحارم واجب بغير خلاف.
__________________
(١) في القرطبي : ولا يقول.
(٢) آية ٣٣.