الثاني ـ حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ، فيعلموا بالدخول عليهم ، قاله ابن مسعود ومجاهد وغيره.
الثالث ـ حتى تعلموا أفيها من تستأذنون عليه أم لا ، قاله ابن قتيبة.
قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : أما قوله أن تستأنسوا بمعنى تستأذنوا فلا مانع في أن يعبّر عن الاستئذان بالاستئناس ، وليس فيه خطأ من كاتب ، ولا يجوز أن ينسب الخطأ إلى كتاب تولى الله حفظه ، وأجمعت الأمة على صحته ، فلا يلتفت إلى راوي ذلك عن ابن عباس.
ووجه التعبير عن الاستئذان بالاستئناس أنه مثله في معنى الاستعلام.
وأما من قال : إنه التنحنح فهي زيادة لا يحتاج إليها. وأشبه ما فيه قول ابن قتيبة ، فإنه عبّر عن اللفظين بمعنيين متغايرين مقيدين. وهذا هو حكم اللغة في جعل معنى لكل لفظ.
المسألة الرابعة ـ في كيفية الاستئذان ، وهو بالسلام ، وصفته ما روى عن أبى سعيد الخدري ، قال : كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور ، قال(١): استأذنت على عمر ثلاثا ، فلم يأذن لي ، فرجعت. قال : ما منعك؟ قلت : استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع. فقال : والله لتقيمنّ عليه بينة. أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أبىّ ابن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغرنا. فكنت أصغرهم. فقمت معه ، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
وهذا حديث صحيح لا غبار عليه. وحكمة التعداد في الاستئذان أنّ الأولى استعلام ، والثانية تأكيد ، والثالثة إعذار.
وقد روى ابن وهب ، وابن القاسم ، عن مالك ـ أن الاستئناس هو الاستئذان على التأويل الأول ، ويكون قوله : (وَتُسَلِّمُوا) تفسيرا للاستئذان. وقد اخترنا قول ابن قتيبة. والله أعلم.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٦٩٤.