المسألة الرابعة ـ وهي حسنة أن في ذلك دليلا على أنّ الحنث إذا رآه خيرا أولى من البر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه. وقد قدمناه.
الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فيها تسع مسائل :
المسألة الأولى ـ اعلموا وفّقكم الله ـ أنّ الله سبحانه وتعالى خصص الناس بالمنازل ، وسترهم فيها عن الأبصار ، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد ، وحجر على الخلق أن يطّلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها بغير إذن أربابها ، لئلا يهتكوا أستارهم ، ويبلوا في أخبارهم.
وتحقيق ذلك ما روى في الصحاح ، عن سهل بن سعد ، قال : أطّلع رجل من حجرة في حجر النبىّ صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي مدرى (٢) يحكّ بها رأسه ، فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر. ومن حديث أنس فيها : فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه بمشقص (٣) ، فكأنى أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه.
المسألة الثانية ـ نزلت هذه الآية عامة في كل بيت ، ونزل قوله تعالى (٤) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) صلى الله عليه وسلم خاصة في أبياته صلى الله عليه وسلم. وسيأتى بيانها في سورة الأحزاب إن شاء الله.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا).
مدّ الله التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس (٥).
واختلف فيه على ثلاثة أقوال :
الأول ـ أن معناه حتى تستأذنوا ، وكذلك كان يقرؤها عبد الله بن عباس ، ويقول :
أخطأ الكاتب.
__________________
(١) آية ٢٧.
(٢) المدرى : المشط. وانظر الحديث في صحيح مسلم : ١٦٩٨.
(٣) المشقص ـ كمنبر : نصل عريض أوسهم فيه ذلك. والنصل الطويل ، أوسهم فيه ذلك يرمى به الوحش. وانظر الحديث في صحيح مسلم : ١٦٩٩.
(٤) سورة الأحزاب ، آية ٥٣.
(٥) في القرطبي : إلى الاستئناس ، وهو الاستئذان.