الثالث ـ أقم الصلاة إذا ذكرتني. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى ـ ورويت عن ابن عباس : أقم الصلاة للذّكر ، وقرئ : للذّكرى.
المسألة الثانية ـ لا خلاف في أن الذكر مصدر مضاف إلى الضمير ، ويحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل ، ويحتمل أن يكون مضافا إلى ضمير المفعول.
وقد روى مالك وغيره أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ؛ فإن الله يقول : أقم الصلاة للذكرى ، ولذكرى ، ومعنى قوله : للذكرى إذا ذكّرتك بها ؛ ولتذكرني فيها ، ولذكرى لك بها.
فإن قيل : الذكر مصدر في الإثبات ، ولا يحتمل العموم.
قلنا : بل يحتمل العموم ، كما تقول : عجبت من ضربي زيدا ، إذا كان الضرب الواقع به عاما في جميع أنواع الضرب ، فيكون العموم في كيفيات الضرب ومتعلقاته ، والإثبات في النكرة التي لا تعمّ ما يتناول الأشخاص.
المسألة الثالثة ـ قوله : «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها» يقتضى وجوب الصلاة على كل ذاكر إذا ذكر ، سواء كان الذكر دائما ، كالتارك لها عن علم ؛ أو كان الذكر طارئا ، كالتارك لها عن غفلة ، وكلّ ناس تارك ، إلا أنه قد يكون بقصد وبغير قصد ، فمتى كان الذكر وجب الفعل دائما أو منقطعا.
فافهموا هذه النكتة تريحوا أنفسكم من شغب المبتدعة ، فما زالوا يزهّدون الناس في الصلاة ، حتى قالوا : إنّ من تركها متعمدا لا يلزمه قضاؤها ، ونسبوا ذلك إلى مالك. وحاشاه من ذلك! فإن ذهنه أحدّ ، وسعيه في حياطة الدّين آكد من ذلك ، إنما قال : إن من ترك صلاة متعمدا لا يقضى أبدا. كما قال في الأثر : من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يجزه (١) صيام الدهر وإن صامه ، إشارة إلى أن ما مضى لا يعود ، لكن مع هذا لا بدّ من توفية التكليف حقه بإقامة القضاء مقام الأداء ، وإتباعه بالتوبة ، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء.
المسألة الرابعة ـ قالت المتزهدة : معنى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ؛ أى لا تذكر فيها غيرى ؛
__________________
(١) في ا : لم يقضه. وفي القرطبي ـ عن ابن مسعود : لم يكفره صيام الدهر.