وإن قلنا برواية ابن مسعود ، وإن لم تصح ، فليس بممتنع أن يكون موسى أمر بخلع نعليه ، وكان أول تعبّد أحدث إليه ، كما كان أول ما قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم (١) : (قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ).
وقد اختلف الناس في جلد الميتة على أربعة أقوال :
الأول ـ أنه ينتفع به على حاله ، وإن لم يدبغ ؛ قاله ابن شهاب ، لمطلق قوله صلى الله عليه وسلم : هلا أخذتم إهابها (٢) فانتفعتم به ؛ ولم يذكر دباغا.
الثاني ـ أنه يدبغ فينتفع به مدبوغا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (٣) : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؛ قاله مالك في أحد أقواله.
الثالث ـ أنه إذا دبغ فقد طهر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (٤) : أيما إهاب دبغ فقد طهر. خرجه مسلم. وخرج البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من قربة مدبوغة من جلد ميتة ، حتى صارت شنّا ؛ قاله مالك في القول الثاني ، وهو الرابع ، ووراء هذه تفصيل.
والصحيح جواز الطهارة على الإطلاق ، ويحتمل أن نكون نعلا موسى لم تدبغا ، ويحتمل أن تكونا دبغتا ، ولم يكن في شرعه إذن في استعمالها. والأظهر أنها لم تدبغ ، وقد استوفينا القول في كتب الفقه والحديث في الباب.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٥) : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في معنى قوله : (لِذِكْرِي).
وفي ذلك ثلاثة أقوال :
الأوّل ـ أقم الصلاة ، لأن تذكرني ؛ قاله مجاهد.
الثاني ـ أقم الصلاة لذكرى لك بالمدح.
__________________
(١) سورة المدثر : الآيات من ٢ ـ ٥.
(٢) الإهاب : الجلد.
(٣) صحيح مسلم : ٢٧٦ ، ٢٧٧
(٤) آية ١٤.