والأقوى في النظر أن يرتبط الحكم بأوائلها ، لئلا يعود ذكرها لغوا ، فإذا ارتبط بأوائلها جرى بعد ذلك النظر في تعلّقه بالكل إلى الآخر أم اقتصاره على الأول على ما يعطيه الدليل ، ولا بدّ من تعلّق الصلاة بالزوال ، لأنه أول الدّلوك. وكنا نعلقها بالجميع ، إلا أنّ صلاة العصر قد أخذت منها وقتها ، من كون ظلّ كل شيء مثله ، فانقطع حكم الظهر لدخول وقت العصر ، فبقى النظر في اشتراكهما معا ، بدليل آخر بيّناه في مسائل الفقه وشرح الحديث ، وفيه طول.
وأما صلاة المغرب فأمرها أبين من الأول ، لأنها تتعلق بآخر الدلوك ، وهو الغروب ، وليس بعدها صلاة تقطع بها ، وتأخذ الوقت منها إلى مغيب الشفق ، فهل يتمادى وقتها إلى دخول وقت الصلاة الأخرى ، أم يتعلق بالأول خاصة؟
وقد بيّن النبىّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هذا كلّه ، فقال : وقت المغرب ما لم يحضر وقت العشاء. وقال أيضا فيه : وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق. فارتفع الخلاف ببيان مبلّغ الشريعة صلّى الله عليه وسلم.
الآية السابعة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (فَتَهَجَّدْ بِهِ).
يعنى اسهر به ، والهجود النوم ، والتهجّد تفعّل ، وهو لاكتساب الفعل وإثباته في الأصل ، وقد يأتى لنفيه في حروف معدودة ، جماعها سبعة :
تهجّد : نفى الهجود ، تخوف : نفى الخوف ، تحنث نفى الحنث ، تنجّس : ألقى النجاسة عن نفسه ، تحرّج : نفى الحرج ، تأثم : نفى الإثم ، تعذّر : نفى العذر ، تقذّر : نفى القذر.
وفي البخاري : تجزع نفى الجزع.
المسألة الثانية ـ قوله : (نافِلَةً لَكَ).
__________________
(١) آية ٧٩.