الفجر أوّلا ، لأنه لا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه ، والرجوع إلى البدل ، وإنما جعل الله مواقيت الصلاة بيّنة ليتساوى في دركها العامىّ والخاصىّ ، ولأجل ذلك نصبها بيّنة للأبصار ، ظاهرة دون استبصار ، فلا عذر لأحد أن يقلبها خفية ، فذلك عكس الشريعة ، وخلط التكليف وتبديل الأحكام.
المسألة السادسة ـ قوله : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) ، يعنى مشهودا بالملائكة الكرام والكاتبين. ثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم من رواية الأئمة أنه قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح (١) وفي صلاة العصر. ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلّون ، وأتيناهم وهم يصلّون.
وبهذا فضلت صلاة الصبح على سائر الصلوات ، ويشاركها في ذلك العصر ، فيكونان جميعا أفضل الصلوات ، ويتميّز عليها الصّبح بزيادة فضل حتى تكون الوسطى ، كما بيناه في سورة البقرة (٢) ، والله أعلم.
المسألة السابعة ـ ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب ، لأنّ الله علّق وجوبها على الدلوك ، وهذا دلوك كلّه ، قاله الأوزاعى ، وأبو حنيفة في تفصيل ، وأشار إليه مالك والشافعى في حال الضرورة.
وقال آخرون : وقت المغرب يكون من الغروب إلى مغيب الشفق ، لأنه غسق كله ، وهو المشهور من مذهب مالك ، وقوله في موطّئه الذي قرأه طول عمره ، وأملاه حياته.
ومن مسائل أصول الفقه التي بينّاها فيها ، وأشرنا إليه في كتبنا عند جريانها أنّ الأحكام المعلّقة بالأسماء ، هل تتعلّق بأوائلها أم بآخرها؟ فيرتبط الحكم بجميعها.
وقد اختلف في ذلك العلماء ، وجرى الخلاف في مسائل مالك على وجه يدلّ على أنّ ذلك مختلف عنده.
__________________
(١) في القرطبي : فيجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر.
(٢) صفحة ٢٢٤ من هذا الكتاب.
(١٢ ـ أحكام ـ ٣)