وقد روى أن ابن مسعود صلّى المغرب والناس يتمارون في الشمس لم تغب ، فقال : ما شأنكم؟ قالوا : نرى أنّ الشمس لم تغب. قال : هذا والذي لا إله غيره وقت هذه الصلاة ، ثم قرأ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ). قال : وهذا دلوك الشمس ، وهذا غسق الليل.
وتحقيق ذلك أن الدلوك هو الميل ، وله أوّل عندنا وهو الزّوال ، وآخر وهو الغروب ، وكذلك الغسق هو الظّلمة ، ولها ابتداء وانتهاء ، فابتداؤها عند دخول الليل ، وانتهاؤها عند غيبوبة الشفق ، فرأى مالك أن الآية تضمّنت الصلوات الخمس فقوله : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) يتناول الظهر والعصر. وقوله : (غَسَقِ اللَّيْلِ) اقتضى المغرب والعشاء ، وقوله : (قُرْآنَ الْفَجْرِ) اقتضى صلاة الصبح ، وهي :
المسألة الرابعة ـ وسمى صلاة الصبح قرآنا ليبيّن أنّ ركن الصلاة ومقصودها الأكبر الذّكر بقراءة القرآن ، ولقوله تعالى (١) : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، معناه صلّوا على ما يأتى بيانه إن شاء الله ، وهي أطول الصلوات قراءة ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : قسمت الصلاة بيني وبين عبدى نصفين ، يقول العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله : حمدنى عبدى. ويقول النبىّ صلى الله عليه وسلم للأعرابى الذي علّمه الصلاة : أقرأ فاتحة الكتاب وما تيسّر معك من القرآن ، معناه صلّوا على ما يأتى بيانه ، إن شاء الله ، وهي أطول الصلوات قراءة.
المسألة الخامسة ـ قوله (الْفَجْرِ).
يعنى سيلان الضوء. وجريان النور في الأفق ، من فجر الماء وهو ظهوره وسيلانه ، فيكون كثيرا ، ومن هذا الفجر ـ وهو كثرة الماء ـ وهو ابتداء النهار وأول اليوم والوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب على الصائم ، وتجوز فيه صلاة الصبح فعلا ، وتجب إلزاما في الذمة وحتما ، ويستحبّ فيه فعلها ندبا ، حسبما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله فيها من مواظبته على صلاتها في الوقت الأوّل ، ولا يجوز أن يصلّى بالمنازل ، لا بالطالع منها ، ولا بالغارب ، ولا بالمتوسط في كبد السماء ، لأنك إذا تراءيت الطالع أو الغارب فتراءى
__________________
(١) سورة المزمل ، آية ٢٠.