وقد كتب معاوية إلى عمر : إنى وجدت أموال أهل الشام ـ الرقيق والخيل. فكتب إليه [عمر] (١) أن دعهما ، ثم استشار عثمان ، فقال مثل ما قال عمر.
وروى أنّ أهل الشام قد جمعوا صدقة خيولهم وأموالهم ، وأتوا بها عمر ، فاستشار عليّا فقال : لا أرى به بأسا إلا أن تكون سنّة باقية بعدك.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ولم ينس حق الله في [رقابها ولا] (٢) ظهورها فيعنى به الحملان في سبيل الله على معنى (٣) الندب والخلاص من الحساب.
وأما حديثهم في الخيل السائمة في كل فرس دينار فيرويه غورك السعدي ، وهو مجهول.
جواب آخر ـ قد ناقضوا فقالوا : إنّ الصدقة في إناثها لا في ذكورها. وليس في الحديث فضل بينهما ، ونقيس الإناث على الذكور في نفى الصدقة ، فإنه حيوان يقتنى لنسله لا لدرّه ، لا تجب الزكاة في ذكوره ، فلم تجب في إناثه ، كالبغال والحمير. والله أعلم.
الآية الخامسة ـ قوله تعالى (٤) : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا).
فسمّى الحوت لحما ، وأنواع اللحم أربعة : لحوم الأنعام ، ولحوم الوحش ، ولحوم الطير ، ولحوم الحوت. ويعمّها اسم اللحم ، ويخصّها أنواعه ، وفي كل نوع من هذه الأنواع تتشابه ، ولذلك اختلف علماؤنا فيمن حلف ألّا يأكل لحما ، فقال ابن القاسم : يحنث بكلّ نوع من هذه الأنواع الأربعة. وقال أشهب في المجموعة : لا يحنث إلا يأكل لحوم الأنعام دون الوحش وغيره ، مراعاة للعرف والعادة ، وتقديما لها على إطلاق اللفظ اللغوي ، وهذا يختلف في البلاد ، فإنه من كان بتنّيس (٥) أو بالفرما (٦) لا يرى لحما إلا الحوت ، والأنعام قليلة فيها ، فعرفها عكس
__________________
(١) من م.
(٢) من م.
(٣) في م : على وجه.
(٤) آية ١٤.
(٥) تنيس : جزيرة في بحر مصر قريبة من البر ، ما بين الفرما ودمياط ، والفرما في شرقيها (ياقوت).
(٦) الفرما : مدينة على الساحل من ناحية مصر.