وقد قال الشافعى : الثعلب والضبع حلال ، وهو قد عوّل على قوله : أكل كلّ ذي ناب من السباع حرام ، ولكنه زعم أنّ الضبع يخرج عنه بحديث يرويه جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع أحلال هي؟ قال : نعم ، وفيها إذا أتلفها المحرم كبش.
وفي رواية : هي صيد ، وفيها كبش.
وهذا نصّ في الاستثناء كما زعم لو صحّ ، ولكنه لم يثبت سنده ، ولو عوّلنا عليه لما خصصنا التحليل من جملة السباع بالضبع ، ولكنا نقول : إنه ينبنى على قاعدة التحليل ، وإنّ الكلّ قد خرج عن التحريم ، وانحصرت المحرّمات في آية الأنعام ، وهذه المعارضات هي التي أوجبت اختلاف العلماء ، فانظروها واسبروها ، وما ظهر هو الذي يتقرر (١). والله أعلم.
المسألة السادسة ـ ذكر الله الأنعام والخيل والبغال والحمير في مساق النعم ذكرا واحدا ، وذكر لكل جنس منها منفعة حسبما سردناه لكم ، ثم اختلف العلماء في الخيل منها ، هل تؤخذ الزكاة من مالكها أم لا؟
فقال جمهور العلماء : لا زكاة فيها. وقال أبو حنيفة : فيها الزكاة منتزعا من قول (٢) النبي صلى الله عليه وسلم : الخيل ثلاثة ، لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ... الحديث. قال فيه : ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها.
واحتجوا بأثر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : في الخيل السائمة في كل فرس دينار.
وعوّل أصحابه من طريق المعنى على أنّ الخيل جنس يسام ، ويبتغى نسله في غالب البلدان ، فوجبت الزكاة فيه كالأنعام.
وتعلّق علماؤنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة ، فنفى الصدقة عن العبد والفرس نفيا واحدا ، وساقهما مساقا واحدا ، وهو صحيح. وروى الترمذي وغيره من المصنفين ، عن علىّ أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، إلا أنّ في الرقيق صدقة الفطر.
__________________
(١) في م : يتقدر.
(٢) في ا : بقول.