الثالث ـ قال سيبويه : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، كقول العرب : وضعا رحالهما ، وتريد رحلي راحلتيهما ، وإلى معنى الثاني يرجع في البيان الرابع ، ويشترك الفقهاء معهم فيه أنه في كل جسد يدان ، فهي أيديهما معا حقيقة ، ولكن لما أراد اليمنى من كل جسد ، وهي واحدة ، جرى هذا الجمع على هذه الصفة ، وتأوّل كذلك.
الخامس ـ أنّ ذكر الواحد بلفظ الجميع عند التثنية أفصح من ذكره بلفظ التثنية مع التثنية ؛ فهذا منتهى ما تحصّل لي من أقوالهم ، وقد تتقارب وتتباعد ، وهذا كلّه بناء على ما أشرنا إليه عنهم في الخامس ، من أنهم بنوا الأمر على أنّ اليمين وحدها هي التي تقطع ، وليس كذلك ؛ بل تقطع الأيدى والأرجل ، فيعود قوله : أيديهما إلى أربعة ، وهي جمع في الآيتين ، وهي (١) تثنية ؛ فيأتى الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا أيديهم لكان وجها ؛ لأنّ السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمّان ما لا يحصى إلا بالفعل المنسوب إليه ، ولكنه جمع لحقيقة الجمع فيه.
وبيان ما قلنا من قطع الأيدى والأرجل أنّ الناس اختلفوا في ذلك كثيرا مآله إلى ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنّه تقطع يمين السارق خاصة ، ولا يعود عليه القطع ؛ قاله عطاء.
الثاني ـ أنه تقطع اليسرى ولا يعود عليه القطع ، في رجل رجل ؛ قاله أبو حنيفة(٢).
الثالث ـ تقطع يده اليمنى ، فإن عاد قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد قطعت يده اليسرى ، فإن عاد قطعت رجله اليمنى ؛ قاله مالك والشافعى.
وأما قول عطاء فليس على غلطه غطاء ؛ فإنّ الصحابة قبله قالوا خلافه. وقد قال الله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، فجاء بالجمع ، فإن تعلّق بأقوال النحاة قلنا : ذلك يكون تأويلا مع الضرورة إذا جاء دليل يدلّ على خلاف الظاهر ، فيرجع إليه ، فبطل ما قاله.
وأما قول أبى حنيفة فإنه يردّهحديث الحارث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلصّ فقال : اقتلوه. قالوا : يا رسول الله ؛ إنما سرق. قال : اقطعوا يده. قالوا : ثم
__________________
(١) في القرطبي : وهما.
(٢) أحكام الجصاص : ٤ ـ ٧١.