رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا ثبت الملك ترتّب عليه وجوب القطع. والله عز وجل أعلم.
المسألة الخامسة والعشرون ـ قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) :
اعلموا أنّ هذه المسائل المتقدمة في هذه الآية لم يتعرّض في القرآن لذكرها ، ولكن العموم لما كان يتناول كلّ ذلك ونظراءه ذكرنا أمهات النظائر ، لئلا يطول عليكم الاستيفاء ، وبينّا كيفية التخصيص لهذا العموم ، لتعلموا كيفية استنباط الأحكام من كتاب الله تعالى ، وهكذا عقدنا في كل آية وسردنا ، فافهموه من آيات هذا الكتاب ؛ إذ لو ذهبنا إلى ذكر كلّ ما يتعلق بها من الأحكام لصعب المرام.
ومن أهم المسائل في هذه الآية ما وقع التنصيص عليه فيها ، وهو قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، فنذكر وجه إيرادها لغة ، وهي :
المسألة السادسة والعشرون ـ ثم نفيض بعد ذلك في تمامها ، فإنها عظيمة الإشكال لغة لا فقها ، فنقول :
إن قيل : كيف قال : فاقطعوا أيديهما ، وإنما هما يمينان؟
قلت : لما توجّه هذا السؤال وسمعه الناس لم يحل أحد منهم بطائل من فهمه.
أما أهل اللغة فتقبّلوه (١) ، وتكلّموا عليه ، وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن (٢) بهم من غير تحقيق لكلامهم ، وذكروا في ذلك خمسة أوجه :
الوجه الأول ـ إنّ أكثر ما في الإنسان من الأعضاء اثنان ، فحمل الأقلّ على الأكثر ؛ ألا ترى أنك تقول : بطونهما وعيونهما ، وهما اثنان ؛ فجعل ذلك مثله.
الثاني ـ أنّ العرب فعلت ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما فيه منه اثنان ، فجعل ما في الشيء منه واحد جمعا إذا ثنّى ، ومعنى ذلك أنه وإن جعل جمعا فالإضافة تثنية ، لا سيما والتثنية جمع ، وكان الأصل أن يقال اثنان رجلان ، ولكن رجلان يدلّ على الجنس والتثنية جميعا ، وذكر كذلك اختصارا ، وكذلك إذا قلت قلوبهما فالتثنية فيهما قد بيّنت لك عدد قلب ، وقد قال الشاعر ـ فجمع بين الأمرين (٣) :
ظهراهما مثل ظهور التّرسين
__________________
(١) في ل : فنقلوه.
(٢) في ا : حسب ظني بهم. والمثبت في القرطبي أيضا : ٦ ـ ١٧٣.
(٣) صدر البيت :
ومهمهين قذفين مرتين