وصوابه ما بيناه في مسائل الخلاف من أنّ القطع واجب في البدن ، والغرم على الموسر واجب في المال ، فصارا حقّين في محلّين ، وإذا كان معسرا فقلنا : يثبت الغرم عليه في ذمته ، كما أوجبنا عليه القطع في البدن والغرم وهو محلّ واحد ، فلم يجز ، ألا ترى أنّ الدية على العاقلة والكفّارة في ماله أو ذمته ، والجزاء في الصيد المملوك ينقض هذا الأصل ؛ لأنه يجمع مع القيمة ، وكذلك الحدّ والمهر إلا أن يطّرد أصلنا فنقول : إذا وجب الحدّ وكان معسرا لم يجب المهر ، وإن الجزاء إذا وجب عليه ، وهو معسر ، سقطت القيمة عنه ، فحينئذ تطّرد المسألة ويصحّ المذهب ؛ أما أنه قد روى النسائي أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال (١) : لا يغرم صاحب سرقة إذا أقمتم عليه الحدّ. فلو صح هذا لحملناه على المعسر.
المسألة التاسعة عشرة ـ قال أبو حنيفة : إن شاء أغرم السارق ولم يقطعه ، وإن شاء قطعه ولم يغرمه ؛ فجعل الخيار إليه ؛ والخيار إنما يكون للمرء بين حقّين هما له ، والقطع في السرقة حقّ الله تعالى ، فلم يجز أن يخيّر العبد فيه كالحدّ والمهر.
المسألة الموفية عشرين ـ إذا سرق المال من الذي سرقه وجب عليه القطع خلافا للشافعي ، لأنه وإن كان سرق من غير المالك ، فإن حرمة المالك الأول باقية عليه لم تنقطع عنه ، ويد السارق كلا يد.
فإن قيل : اجعلوا حرزه كلا حرز.
قلنا : الحرز قائم ؛ والملك قائم ، ولم يبطل الملك فيه ، فيقولوا لنا : أبطلوا الحرز.
المسألة الحادية والعشرون ـ إذا تكرّرت السرقة بعد القطع في العين المسروقة قطع ثانيا فيها.
وقال أبو حنيفة (٢) : لا قطع عليه. وليس للقوم دليل يحكى ، ولا سيما وقد قال معنا : إذا تكرر الزنا يحدّ ، وقد استوفينا اعتراضهم في مسائل الخلاف وأبطلناه. وعموم القرآن يوجب عليه القطع.
المسألة الثانية والعشرون ـ إذا ملك السارق ـ قبل أن يقطع ـ العين المسروقة بشراء
__________________
(١) أحكام الجصاص : ٤ ـ ٨٤.
(٢) أحكام الجصاص : ٤ ـ ٨٢