إلا مع أصحابه ؛ فصارت هذه الحاجة قاضية بأنّ ذلك حرزه ، وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله تعالى (١) : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَأَمْواتاً) ؛ ليسكن فيها حيّا ويدفن فيها ميتا.
وأما قولهم : إنه عرضة للتلف فكلّ ما يلبسه الحىّ أيضا معرّض للتلف والأخلاق (٢) بلباسه ، إلّا أنّ أحد الأمرين أعجل من الثاني.
المسألة الثامنة عشرة ـ قال علماؤنا : إذا سرق السارق وجب القطع عليه وردّ العين ؛ فإن تلفت فعليه مع القطع القيمة إن كان موسرا ، وإن كان معسرا فلا شيء عليه.
وقال الشافعى : الغرم ثابت في ذمته في الحالين. وقال أبو حنيفة (٣) : لا يجتمع القطع مع الغرم بحال ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) ولم يذكر غرما ، والزيادة على النص ، وهي نسخ ، ونسخ القرآن لا يجوز إلا بقرآن مثله ، أو بخبر متواتر ، وأمّا بنظر فلا يجوز.
قلنا : لا نسلّم أنّ الزيادة على النص نسخ ؛ وقد بينا ذلك في مسائل الأصول فلينظر هناك ، وقد قال الله تعالى (٤) : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) ـ مطلقا.
وقال أبو حنيفة : يعطى لذوي القربى إلا أن يكونوا فقراء ؛ فزاد على النص بغير نصّ مثله من قرآن أو خبر متواتر.
وأما علماء الشافعية (٥) فعوّلوا على أن القطع والغرم حقّان لمستحقين مختلفين ، فلا يسقط أحدهما الآخر ، كالدّية والكفارة.
وأما المالكية فليس لهم متعلق قوىّ ، ونازع بعضهم بأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقيم على السارق الحدّ فلا ضمان. وهذا حديث باطل.
وقال بعضهم : لأن الإتباع بالغرم عقوبة ، والقطع عقوبة ، ولا تجتمع عقوبتان ، وعليه عوّل القاضي عبد الوهاب ، وهو كلام مختلّ اللفظ.
__________________
(١) سورة المرسلات ، آية ٢٥ ، ٢٦.
(٢) في ا : والإتلاف. والمثبت من ل ، والقرطبي.
(٣) أحكام الجصاص : ٤ ـ ٨٣.
(٤) سورة الأنفال ، آية ٤١
(٥) في ا : وأما علماؤنا. والمثبت من ل.