وقال أبو حنيفة والشافعى : لا يقطع في السرقة المشتركون إلا بشرط أن يجب لكلّ واحد منهم في حصته نصاب ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في النصاب ومحله حين لم يقطع إلا من سرق نصابا ، وكلّ واحد من هؤلاء لم يسرق نصابا ، فلا قطع عليهم.
ودليلنا الاشتراك في الجناية لا يسقط عقوبتها ، كالاشتراك في القتل ، وما أقرب ما بينهما ؛ فإنّا قتلنا (١) الجماعة بقتل الواحد ، صيانة للدماء ، لئلا يتعاون على سفكها الأعداء ، وكذلك في الأموال مثله ، لا سيما وقد ساعدنا الشافعىّ على أنّ الجماعة إذا اشتركوا في قطع يد رجل قطعوا ، ولا فرق بينهما.
المسألة السادسة عشرة ـ إذا اشتركوا في السرقة فإن نقب واحد الحرز وأخرج آخر فلا قطع على واحد منهما عند الشافعى ؛ لأنّ هذا نقب ولم يسرق ، والآخر سرق من حرز مهتوك الحرمة. وقال أبو حنيفة : إن شارك في النقب ودخل وأخذ قطع. وأما علماؤنا فقالوا : إن كان بينهما تعاون واتّفاق قطعا ، وإن نقب سارق وجاء آخر لم يشعر به فدخل النقب وسرق فلا قطع عليه لعدم شرط القطع وهو الحرز ، وفصل التعاون قد تقدّم ودليلنا عليه ، فلينظر هنالك.
المسألة السابعة عشرة ـ في النبّاش.
قال علماء الأمصار : يقطع. وقال أبو حنيفة (٢) : لا قطع عليه ؛ لأنه سرق من غير حرز مالا معرّضا للتلف لا مالك له ؛ لأنّ الميت لا يملك. ومنهم من ينكر السرقة ؛ لأنه في موضع ليس فيه ساكن ، وإنما تكون السرقة بحيث تتّقى الأعين ، ويتحفّظ من الناس ، وعلى نفى السرقة عوّل أهل ما وراء النهر. وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف وقلنا : إنه سارق ، لأنه تدرّع الليل لباسا ، واتّقى الأعين ، وتعمّد وقتا لا ناظر فيه ولا مارّ عليه ؛ فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت تبرز الناس للعيد وخلوّ البلد من جميعهم.
وأما قولهم : إنّ القبر غير حرز فباطل ؛ لأن حرز كل شيء بحسب حاله الممكنة فيه كما قدمناه ، ولا يمكن ترك الميت عاريا ، ولا يتفق فيه أكثر من دفنه ، ولا يمكن أن يدفن
__________________
(١) في القرطبي : فإنا إنما قتلنا.
(٢) أحكام الجصاص : ٤ ـ ٦٩