سرق العبد يسقط القطع بإجماع الصحابة وبقول الخليفة : غلامكم سرق متاعكم ، وهذا يشترك مع الأب في البابين ، وقد بينا كلّ واحد في موضعه.
وأما متعلق المسروق منه ـ وهي :
المسألة الرابعة عشرة ـ فهو الحرز الذي نصب عادة لحفظ الأموال ، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله. والأصل في اعتبار الحرز الأثر والنظر.
أما الأثر فقوله صلى الله عليه وسلم : لا قطع في ثمر ولا كثر (١) إلا ما أواه الجرين.
وأما النظر فهو أنّ الأموال خلقت مهيّأة للانتفاع للخلق أجمعين ، ثم بالحكمة الأولية التي بيّناها في سورة البقرة حكم فيها بالاختصاص الذي هو الملك شرعا ، وبقيت الأطماع معلقة بها ، والآمال محوّمة عليها ، فتكفّها المروءة والديانة في أقل الخلق ، ويكفّها الصون والحرز عن أكثرهم ، فإذا أحرزها مالكها فقد اجتمع بها الصّونان ، فإذا هتكا فحشت الجريمة فعظمت العقوبة ؛ وإذا هتك أحد الصّونين ـ وهو الملك ـ وجب الضمان والأدب ؛ وذلك لأنّ المالك لا يمكنه بعد الحرز في الصّون شيء ، فلما كان غاية الإمكان ركب عليه الشرع غاية العقوبة من عنده ردعا وصونا ، والأمة متفقة على اعتبار الحرز في القطع في السرقة ؛ لاقتضاء لفظها ، ولا تضمن حكمتها وجوبه ، ولم أعلم من ترك اعتباره من العلماء ، ولا تحصّل لي من يهمله من الفقهاء ، وإنما هو خلاف يذكر ، وربما نسب إلى من لا قدر له ، فلذلك أعرضت عن ذكره ، ولهذا المعنى أجمعت الأمة أنه لا قطع على المختلس والمنتهب لعدم الحرز فيه ، فلما لم يهتك حرزا لم يلزمه أحد قطعا.
المسألة الخامسة عشرة ـ لما ثبت اعتبار النّصاب في القطع قال علماؤنا : إذا اجتمع جماعة ، فاجتمعوا على إخراج نصاب من حرزه ؛ فلا يخلو أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه ، أو يكون مما لا يمكن إخراجه إلّا بتعاونهم ؛ فإن كان مما لا يمكن إخراجه إلا بالتعاون فإنه يقطع جميعهم باتفاق من علمائنا. وإن كان مما يخرجه واحد واشتركوا في إخراجه فاختلف علماؤنا فيه على قولين : أحدهما لا قطع فيه. والثاني فيه القطع.
__________________
(١) في ل : كنز ، وهو تحريف. والحديث في ابن ماجة ٨٣٩. وقد سبق شرحه.