الثاني ـ ينفى إلى
بلد الشّرك ؛ قاله أنس ، والشافعى ، والزهري ، وقتادة ، وغيرهم.
الثالث ـ يخرجون
من مدينة إلى مدينة أبدا ؛ قاله ابن جبير ، وعمر بن عبد العزيز.
الرابع ـ يطلبون بالحدود أبدا فيهربون منها ؛ قاله ابن عباس ، والزهري ،
وقتادة ، ومالك. والحقّ أن يسجن ، فيكون السجن له نفيا من الأرض ، وأما نفيه إلى
بلد الشّرك فعون له على الفتك. وأما نفيه من بلد إلى بلد فشغل لا يدان به لأحد ،
وربما فرّ فقطع الطريق ثانية.
وأما قول من قال :
يطلب أبدا وهو يهرب من الحدّ فليس بشيء ؛ فإن هذا ليس بجزاء ، وإنما هو محاولة طلب
الجزاء.
المسألة الثامنة ـ
قوله تعالى : (أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ) :
قال الشافعى : إذا
أخذ في الحرابة نصابا. قلنا : أنصف من نفسك أبا عبد الله وف شيخك حقّه لله. إنّ
ربنا تبارك وتعالى قال : (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما). فاقتضى هذا قطعه في حقه. وقال في المحاربة : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ
اللهَ وَرَسُولَهُ) ؛ فاقتضى بذلك توفية الجزاء لهم على المحاربة عن حقّه ،
فبيّن النبيّ صلى الله عليه وسلم في السارق أنّ قطعه في نصاب وهو ربع دينار ،
وبقيت المحاربة على عمومها. فإن أردت أن ترد المحاربة إلى السرقة كنت ملحقا الأعلى بالأدنى وخافضا الأرفع إلى الأسفل ، وذلك
عكس القياس. وكيف يصحّ أن يقاس المحارب ـ وهو يطلب النفس إن وقى المال بها ـ على السارق وهو يطلب خطف المال ، فإن شعر به فرّ ، حتى إن
السارق إذا دخل بالسلاح يطلب المال ، فإن منع منه أو صيح عليه وحارب عليه ، فهو
محارب يحكم عليه بحكم المحارب.
[قال القاضي] : وكنت في أيام حكمى بين الناس إذا جاءني أحد بسارق وقد
دخل الدار بسكين يحبسه على قلب صاحب الدار وهو نائم ، وأصحابه يأخذون مال الرجل
__________________