حكمت فيهم بحكم المحاربين ؛ فافهموا هذا من أصل الدين ، وارتفعوا إلى يفاع العلم عن حضيض (١) الجاهلين.
والمسكت للشافعي أنه لم يعتبر الحرز ، فلو كان المحارب ملحقا بالسارق لما كان ذلك إلا على حرز.
وتحريره أن يقول : أحد شرطي السرقة فلا يعتبر في المحارب كالحرز والتعليل النّصاب.
المسألة التاسعة ـ إذا صلب الإمام المحارب فإنه يصلبه حيّا.
وقال الشافعى : يصلبه ميّتا ثلاثة أيام ؛ لأن الله تعالى قال : (يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) ، فبدأ بالقتل.
قلنا : نعم القتل مذكور أولا ، ولكن بقي أنّا إذا جمعنا بينهما كيف يكون الحكم هاهنا هو الخلاف. والصلب حيّا أصحّ ؛ لأنه أنكى وأفضح ، وهو مقتضى معنى الرّدع الأصلح.
المسألة العاشرة ـ لا خلاف في أنّ الحرابة يقتل فيها من قتل ، وإن لم يكن المقتول مكافئا للقاتل.
وللشافعي قولان : منهما أنه تعتبر المكافأة في الدماء لأنه قتل ، فاعتبرت فيه المكافأة كالقصاص. وهذا ضعيف ؛ لأنّ القتل هاهنا ليس على مجرّد القتل ، وإنما هو على الفساد العام ، من التخويف وسلب المال ، فإن انضافت إليه إراقة الدم فحش ، ولأجل هذا لا يراعى مال مسلم من كافر.
المسألة الحادية عشرة ـ إذا خرج المحاربون فاقتتلوا مع القافلة فقتل بعض المحاربين ، ولم يقتل بعض (٢) ، قتل الجميع.
وقال الشافعى : لا يقتل إلا من قتل. وهذا مبنيّ على تخيير الإمام وتفصيل الأحكام ؛ وقد تقدّم.
ويعضد هذا أنّ من حضر الوقعة شركاء في الغنيمة ، وإن لم يقتل جميعهم. وقد اتفق معنا على قتل الرّدء (٣) وهو الطالع ، فالمحارب أولى.
__________________
(١) يفاع : أصل معنى اليفاع : التل. والمراد المنزلة العليا من العلم. والحضيض : القرار في الأرض.
(٢) في ل : البعض.
(٣) الردء : العون.